|
في تمام الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم الثلاثاء ٢ كانون الأول ٢٠٢٥، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في الحفل الرسمي لوداع قداسة البابا لاون الرابع عشر، في مطار رفيق الحريري الدولي، مختتماً زيارته الرسولية والرسمية إلى لبنان.
وعلى أرض المطار، كان في وداع قداسة البابا فخامةُ الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية، وأصحاب الغبطة البطاركة: الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، ويوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، وروفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، ودولة الرئيس نبيه برّي رئيس مجلس النواب، ودولة الرئيس نوّاف سلام رئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن كبار الشخصيات الرسمية والعسكرية في لبنان.
وقد رافق غبطةَ أبينا البطريرك المونسنيور حبيب مراد كونه عضو اللجنة الكنسية المركزية لزيارة قداسة البابا إلى لبنان.
بدايةً، استعرض قداسة البابا وفخامة الرئيس ثلّة من الحرس الجمهوري، ثمّ اعتليا المنصّة الخاصّة حيث جرى عزف نشيد الفاتيكان، فالنشيد الوطني اللبناني.
بعدئذٍ ألقى فخامة الرئيس العماد جوزاف عون كلمة شكر مؤثّرة، تعبق بمشاعر الإمتنان والعرفان، توجّه فيها إلى قداسته بالقول: "نلتقي اليوم في ختام زيارة ستبقى محفورة في ذاكرة لبنان وشعبه، فخلال الأيّام الماضية حملتم إلى لبنان كلمات رجاء وأمل، وجلتم بين مناطقه، والتقيتم بشعبه الذي استقبلكم بكافّة طوائفه وانتماءاته بمحبّة كبيرة تعكس توقه الدائم للسلام والإستقرار. لقد جئتم إلى لبنان حاملين رسالة سلام، وداعين إلى المصالحة، ومؤكّدين أنّ هذا الوطن الصغير في مساحته، الكبير برسالته، لا يزال يشكّل نموذجاً للعيش المشترك وللقيم الإنسانية التي تجمع ولا تفرّق".
وأضاف فخامته: "في كلماتكم وفي لقاءاتكم مع أبناء هذا البلد، لمسنا عمق محبّتكم للبنان وشعبه، وصدق رغبتكم في أن يبقى وطن الرسالة، وطن الحوار، وطن الإنفتاح، وطن الحرّية لكلّ إنسان، والكرامة لكلّ إنسان. فشكراً لكم، يا صاحب القداسة، لأنّكم استمعتم إلينا، وشكراً لأنّكم استودعتم لبنان رسالة السلام. وأنا بدوري أقول لكم إنّنا سمعنا رسالتكم، وإنّنا سنستمرّ في تجسيدها".
وأردف فخامته: "مع شكرنا، تظلّ لنا أمنية، يا صاحب القداسة، وهي أن نكون دائماً في صلواتكم، وأن تتضمّن عظاتكم لكلّ مؤمن ومسؤول في هذا العالم التأكيد بأنّ شعبنا شعب مؤمن يرفض الموت والرحيل، شعب مؤمن قرّر الصمود بالمحبّة والسلام والحقّ، شعب مؤمن يستحقّ الحياة وتليق به".
وختم فخامته قائلاً: "وإذ نودّعكم، لا نودّع ضيفاً كريماً فحسب، بل نودّع أباً حمل إلينا طمأنينة، وذكَّرَنا بأنّ العالم لم ينسَ لبنان، وأنّ هناك من يصلّي لأجله ويعمل من أجل السلام. عشتم يا صاحب القداسة، عاش السلام، وعاش لبنان".
ثمّ ألقى قداسة البابا لاون الرابع عشر كلمة وداعية بالغة الأثر، استهلّها بالتعبير عن فرحه بزيارة لبنان، فقال: "المغادرة أصعب من الوصول. كنّا معاً، وفي لبنان أن نكون معاً هو أمرٌ مُعدٍ. وجدتُ هنا شعباً لا يحبُّ العزلة بل اللقاء. فإن كان الوصول يعني الدخول برفقٍ في ثقافتكم، فإنَّ مغادرة هذه الأرض تعني أن أحملكم في قلبي. نحن لا نفترق إذاً، بل بعدما التقينا سنمضي قُدُماً معاً. ونأمل أن نُشرِكَ في هذه الروح من الأخوّة والإلتزام بالسلام، كلَّ الشرق الأوسط، حتّى الذين يعتبرون أنفسهم اليوم أعداء".
وعبّر قداسته عن الشكر "لكم على الأيَّام التي قضيتُها بينكم، ويسرُّني أنّني تمكّنتُ من تحقيق رغبة سلفي الحبيب، البابا فرنسيس، الذي كان يتمنَّى كثيراً أن يكون هنا. إنّه في الحقيقة موجودٌ معنا، ويسير معنا مع شهودٍ آخرين للإنجيل، والذين ينتظروننا في عناق الله الأبدي: نحن ورثةٌ لما آمنوا به، ورثة الإيمان والرجاء والمحبّة التي ملأَتْهم".
وأعرب قداسته عن اندهاشه وتأثّره لما عاينه خلال محطّات زيارته: "رأيتُ الإكرام الكبير الذي يخصُّ به شعبُكم سيِّدتَنا مريم العذراء، العزيزة على المسيحيين والمسلمين معاً. وصلَّيتُ عند ضريح القديس شربل، فأدركتُ الجذور الروحية العميقة لهذا البلد: الرحيق الطيِّب في تاريخكم يسند المسيرة الصعبة نحو المستقبل! أثَّرَتًْ فيَّ زيارتي القصيرة إلى مرفأ بيروت، حيث دمَّر الإنفجار، ليس المكان فحسب، بل حياة الكثيرين. صلَّيتُ من أجل جميع الضحايا، وأحمل معي الألم والعطش إلى الحقيقة والعدالة للعائلات الكثيرة، ولبلدكم بأكمله.
ونوّه قداسته بأنّه التقى "في هذه الأيّام القليلة وجوهاً كثيرة، وصافحتُ أيادٍ عديدة، مستمدّاً من هذا الإتّصال الجسديّ والداخليّ طاقةً من الرجاء. أنتم أقوياءٌ مثل أشجار الأرز، أشجار جبالكم الجميلة، وممتلئون بالثمار كالزيتون الذي ينمو في السهول، وفي الجنوب، وبالقرب من البحر. أُحيِّي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكَّن من زيارتها: طرابلس والشمال، والبقاع والجنوب، وصور وصيدا، وهي أماكن مذكورة في الكتاب المقدّس، كلّ هذه الأماكن، وخاصّةً في الجنوب، الذي يعيشُ حالةً دائمةً من الصراع وعدم الإستقرار. أعانق الجميع، وأُرسل إلى الجميع أمانيَّ بالسلام".
وأطلق قداسته خلال كلمته "نداءً من كلِّ قلبي: لِتتوقَّف الهجمات والأعمال العدائيّة. ولا يظنَّ أحدٌ بعد الآن أنّ القتال المسلَّح يجلب أيَّة فائدة. فالأسلحة تقتل، أمّا التفاوض والوساطة والحوار فتبني. لِنختَرْ جميعاً السلام، وليكُنِ السلام طريقنا، لا هدفاً فقط!".
وحثّ قداسته الجميع على أن "نتذكَّر ما قاله لكم القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني: لبنان أكثر من بلد، إنّه رسالة! لنتعلَّم أن نعمل معاً، ونرجو معاً ليتحقَّق ذلك".
وختم قداسته كلمته الوداعية بالقول: "باركَ اللهُ شعبَ لبنان، وجميعَكم، والشرقَ الأوسط، وكلَّ البشرية! شكراً، وإلى اللقاء!".
وبعدما صافح قداستُه أصحابَ الغبطة البطاركة وكبارَ الشخصيات الرسمية والعسكرية، صافح فخامتُه بدوره أعضاءَ الوفد المرافق لقداسته، من كرادلة وأساقفة وكهنة. ثمّ توجّه قداسة البابا والوفد المرافق إلى الطائرة التي استقلّها عائداً إلى مقرّ كرسيه الرسولي في الفاتيكان، ومختتماً زيارته الرسولية والرسمية إلى لبنان.
وأمام باب الطائرة، ودّع غبطةُ أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان قداسةَ البابا، شاكراً إيّاه من أعماق القلب على زيارته التاريخية الرائعة بكلّ تفاصيلها ودقائقها إلى تركيا ثمّ إلى لبنان، مثمّناً الكلمات الأبوية التوجيهية المعزّية والمشجّعة التي أعلنها، والتعزية الروحية التي بثّها في المواطنين عامّةً، والمؤمنين بشكل خاصّ، فأثلجت القلوب وأروت النفوس العطشى إلى زوّادة روحية وحياتية ترافقهم وتغنيهم، متمنّياً لقداسته عودة سالمة إلى مقرّ الكرسي الرسولي، كي يتابع خدمته في رعاية الكنيسة الجامعة بما حباه الله من حكمة وفطنة، بهدي روحه القدوس.
وشكر قداسته لغبطته حضوره ومشاركته في فعاليات الزيارة الرسولية في تركيا ثمّ في لبنان، داعياً له بالصحّة والعافية، ومانحاً بركته الرسولية للكنيسة السريانية، إكليروساً ومؤمنين.
وفي لحظات مؤثّرة، غادر قداسته بيروت، فيما الجميع يودّعونه متمنّين له الوصول بالسلامة إلى روما.
|