الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
غبطة أبينا البطريرك يحتفل بقداس عيد بشارة العذراء مريم في كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار - لبنان

 
 

    في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الإثنين ٢٥ آذار ٢٠٢٤، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد بشارة العذراء مريم بالحبل بالرب يسوع، وذلك على مذبح كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – لبنان. 

    عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب ديفد ملكي كاهن رعية مار بهنام وسارة، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمجهَّرين العراقيين في لبنان. وخدم القداس شمامسة الرعية، وأعضاء الجوق، بحضور ومشاركة جمع من المؤمنين من أبناء رعية مار بهنام وسارة، ولا سيّما أعضاء أخوية الحبل بلا دنس في الرعية، ومن أبناء إرسالية العائلة المقدسة.

    وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدّث غبطة أبينا البطريرك عن "احتفالنا اليوم بهذا العيد، عيد بشارة العذراء مريم بالحبل بالرب يسوع، فنحن نحتفل معاً بهذا القداس مع بداية أسبوع الآلام، لكنّ عيد بشارة العذراء هو عيد مهمّ جداً في الكنيسة، إذ ببشارة الملاك للعذراء مريم في الناصرة، يبدأ سرّ تجسُّد الرب يسوع والفداء. فالعهد الذي سنّه الرب الإله الآب السماوي كي يخلّص شعبه، يبدأ بعيد البشارة، بشارة العذراء".

    وأشار غبطته إلى أنّه "نعم، اليوم هو عيد مهمّ جداً في الكنيسة، وكما تعلمون منذ بضع سنوات أُعلِن هذا العيد عيداً وطنياً يجمع بين المواطنين كافّةً في لبنان. فالبشارة مهمّة جداً، ومار بولس يذكّرنا أنّ وعد الله اكتمل بإعلان الخلاص. وقد سمعتم مرّاتٍ عدّة بكلمة الناموس، وهي كلمة يونانية تعني القانون، الشريعة، وفي الديانة اليهودية هناك إتمام فرائض الشريعة، وبولس نفسه الذي كان فرّيسياً، أي من الذين تعلّموا شريعة العهد القديم وفهموها ودرسوها وتبعوها، أراد أن يذكّر المؤمنين أنّ الناموس، الشريعة، والفرائض التي يتمّمونها، بحسب الكتاب المقدس، كالفرائض عن الطعام، وعن تنظيف أواني الأكل، وعن الامتناع عن العمل أيّام السبت، هذه الفرائض هي تمهيد لوعد الله بالخلاص. فمهما عملنا من أعمال خارجية، إن لم تكن مبنيّة على إيماننا بالرب يسوع أنّه هو مخلّصنا، فهذه الشرائع لا تكون مفيدة، بل تبقى عبارةً عن مجرَّد تقويّات نعزّي أنفسنا بها، معتقدين أنّنا بهذا نتمّم إرادة الله، في حين أنّنا نتمّمها عندما نضع كلّ ثقتنا بالله، بالرغم من كلّ ما نعانيه من آلام وتضحيات وتحدّيات".
ونوّه غبطته إلى أنّ "البشارة تذكّرنا بمريم التي أعلنت هذه العبارة الجميلة: أنا أمةٌ للرب فليكن لي بحسب قولك، هذه العبارة البسيطة، لكنّها تجمع كلّ مراحل حياة العذراء مريم التي سلّمت إرادتها وحياتها بكلّيتها لله. فإن كنّا أبناء وبنات مريم وأعضاء في أيّ أخوية باسم مريم، علينا أن نضع مريم أمامنا، ونجعل منها مثالاً لحياتنا، ونسلّم أمرنا وحياتنا لله. فمريم كانت الأقرب إلى يسوع، وهي الأمّ الإلهية، إذ أصبحت أمّ الله، والدة الإله، وكان لها الدور الكبير في خلاصنا. ونحن نعلم أنّ لكلّ امرأة وزوجة مكانة مهمّة جداً في العائلة، ولا يجب أن نخدع أنفسنا، فنعتقد أنّ المرأة والزوجة والأمّ في إيماننا المسيحي هي مظلومة، في حين أنّ مريم العذراء هي مثالٌ لكلّ الأمّهات، ونكرّمها كسلطانة جميع القديسين والقديسات. وهنا علينا أن نركّز على دور الزوجة والأمّ في العائلة المسيحية".

    وتناول غبطته "ما قرأتُه البارحة من قسم من سيرة حياة كاهن قُتِل عام ١٩٤٤ على يد النازيين الذين كانوا مسيطرين على إيطاليا وروما، هذا الكاهن نشأ في عائلة بسيطة، وفي أيّامه كان يتوجّب على أهل الذين ينتسبون إلى الإكليريكية أن يساهموا في مصروف ابنهم في الإكليريكية. تقول قصة حياته إنّ أمّه، التي كانت أمّاً لسبعة أولاد، لم تُرِدْ أن تمنع ابنها من الانتساب إلى الإكليريكية، مع أنّه كان على العائلة أن تقدّم التضحيات الكبيرة. فكانت للأمّ قطعتا أرض تحتويان على بعض الأشجار في الريف، قامت برهنهما كي تدفع تكاليف ابنها لينتسب إلى الإكليريكية. وأصبح ابنها كاهناً فيما بعد، ثمّ شهيداً".

    ولفت غبطته إلى أنّ "أولادنا الذين يتقدّمون إلى الكهنوت هم الأولاد الأمناء لأهلهم، لا ينسونهم، ويبقون دائماً قريبين منهم بالصلاة وبالعناية، كما نجد ذلك جليّاً بين كهنتنا الأحبّاء. من هنا علينا التأكيد أنّ على الأمّ المسيحية أن تشجّع أبناءها وبناتها للتكرّس للرب، إن كان في الحياة الكهنوتية أو في الحياة الرهبانية، وهذا التكرّس يجلب النِّعَم والبركات للعائلة. ونحن نعرف الكثيرين من الكهنة الذين اعتنوا بأهلهم في شيخوختهم حتّى وفاتهم، ولم يتركوهم أبداً. فعلينا إذاً أن نحثّ أولادنا كي ينتسبوا إلى الإكليريكية، لا نجبرهم على ذلك، بل نشجّعهم ونصلّي من أجلهم كي يكمّل الرب معهم الدعوة التي يختارونها".

    وشدّد غبطته "على أهمّية دور الأمّ والزوجة المسيحية في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه العائلة، لا سيّما أنّنا نسمع كثيراً عن الصعوبات الجمّة التي تجابهها العائلة في بلاد الاغتراب، خاصّةً في البلاد الغربية، في الأميركتين وأوروبا وأستراليا، فالعائلات هناك تعاني الكثير، لأنّه وللأسف ظهرت إيديولوجيات مخيفة بالنسبة للعائلة. فلم يعد هناك فرق بين الذكر والأنثى، بين الرجل والمرأة، بين الصبيّ والبنت، وأصبحت بلدان عدّة تسمح للأسف بتغيير الجنس، حتّى للأولاد الصغار، ناسين، أو بالأحرى متناسين أنّ في العائلة هناك رجل وامرأة، أب وأمّ، وأنّ الأولاد هم عطيّة الله".

    وأكّد غبطته على أنّ "دور الأمّ في العائلة يتمثّل في أن تكون ينبوع حنان ورأفة وتفاهُم بين أعضاء العائلة، تشجّع بالعمل قبل الكلام، وبشكل خاصّ تحثّ أولادها كي يُقدِموا، أكان على الدعوة الكهنوتية أو على الزواج، ولا تكون الأمّ المستأثرة بالأولاد وبمستقبلهم. ونجد اليوم الكثيرين من الشباب الذين تجاوزوا الأربعين أو الخمسين من العمر ولا يُقدِمون على الزواج، لذا علينا أن نركّز على دور الأمّ في تربية أولادها وتشجيعهم على السير بمقتضى الدعوة التي إليها دعاهم الرب".

    وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه العذراء مريم، أمّنا السماوية، سيّدة البشارة، أن يبارك عائلاتنا، ويمنحنا على الدوام القوّة حتّى نكمل مشوار حياتنا، ويؤهّلنا أن ننال البركة الخاصّة في هذا الأسبوع، أسبوع الآلام المقدس، حتّى نرافق مريم ونرافق ابنها الإلهي نحو الصلب والموت المنفتح على القيامة وعلى مجدنا في السماء".

    وبعدما منح غبطته البركة الختامية، استقبل المؤمنين الذين قدّموا له التهاني البنوية بهذه المناسبة، في جوّ من الفرح الروحي بلقاء الأبناء مع أبيهم الروحي.

 

إضغط للطباعة