الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
نص موعظة غبطة أبينا البطريرك خلال رتبة تولية الأسقف الجديد لأبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان – العراق

 
 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، خلال رتبة تولية سيادة الأسقف الجديد لأبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان – العراق، والتي ترأسها غبطته، وذلك مساء يوم السبت 24 آب 2019، في كاتدرائية سلطانة السلام في عينكاوة – أربيل:

 

"الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"

    أصحاب المعالي والسعادة والسيادة المسؤولين في إقليم كوردستان العراق

    الإخوة أصحاب السيادة والنيافة مطارنة الكنائس الشقيقة

    الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات

    أيّها المؤمنون الأحبّاء المبارَكون بالرب

    نحتفل اليوم برتبة تولية أخينا المطران مار نثنائيل نزار سمعان أسقفاً على أبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان للسريان الكاثوليك، وهي أبرشية قديمة قرّر مجمع أساقفة كنيستنا المنعقد في حزيران الماضي أن يحييها، وذلك لتفعيل الرعاية الأسقفية للإكليروس والمؤمنين المقيمين في إقليم كوردستان - العراق. ومجمعنا اليوم ممتَّل بإخوتنا أصحاب السيادة الحاضرين معنا والذين يشاركوننا في هذه الرتبة:

    مار أثناسيوس متّي متّوكة، مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس، ومار تيموثاوس حكمت بيلوني الأكسرخوس الرسولي في فنزويلا.

    وبهذه المناسبة نودّ أن نجدّد التهنئة لفخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني بانتخابه وتنصيبه رئيساً لإقليم كوردستان العراق، ونعبّر عن جزيل شكرنا لفخامته ولحكومته على مشاركتهم في هذه الاحتفال، ونكرّر امتناننا وتقديرنا لمواقف الإخوة في إقليم كوردستان في استضافة الآلاف من النازحين من أبنائنا، إثر الهجمات الإرهابية التي حلّت قبل خمس سنوات في الموصل وسهل نينوى. إننا ندعو إليه تعالى، مدبّر الكون ومحبّ الإنسان، خليقته الأسمى، أن يحفظ شعب إقليم كوردستان بحمايته القديرة، ويمنح رئيسه وحكومته وجميع معاونيهم كلّ ما يحتاجون إليه لممارسة مسؤولياتهم بحكمة ونجاح.

    دون شك، إنّ الخدمة الأسقفية لأبرشية يُعاد تأسيسها، تتطلّب الكثير من البذل والعطاء، من الحكمة والدراية، وهذه أمور يدركها المطران مار نثنائيل نزار الذي أخذ على عاتقه وبكامل رغبته واختياره أن ينطلق متّكلاً على النعمة الإلهية التي حلّت عليه في سيامته الأسقفية، كي يرعى هذه الأبرشية، إكليروساً ومؤمنين، على مثال الرب يسوع، الراعي الصالح الذي علّمنا التضحية والفداء، قائلاً: "ما من حبٍّ أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه"، وجسّد لنا التواضع والوداعة يقوله: "تعلّموا منّي أنا الوديع والمتواضع القلب".

    لقد عاهد ذاته أن يجسّد دعوته للخدمة الأسقفية، فيضحي شاهداً مبدعاً للمحبّة، هذه الفضيلة النابعة من القلب الإلهي، والتي لا تُختزَل لا بالعلم، ولا بالقدرات الفردية، بل تتجسّد بالصبر والإحتمال، ببذل الذات والتجرّد عن المنفعة الشخصية، بسخاء العطاء الذي لا يعرف حدوداً ولا يضع شروطاً، هي المحبّة التي تتجلّى بغلبة الخير وإشعاع الحق ونشر السلام. 

    المطران الجديد يشدّد على مفهوم دعوته من قبل الرب الذي اختاره كي ينطلق بشجاعة نحو رسالة لن تخلو من الصعوبات والتحدّيات، وفيها دون شكّ نعمة إلهية فاعلة، تؤمّن له النجاح وتملأ قلبه عزاءً وفرحاً.

    إنه مؤتَمَنٌ على الإيمان الذي نقله إلينا آباؤنا القديسون، فيعيش روح الإنجيل بأمانة وإخلاص، وينادي دون تردّد بالقيم الأخلاقية المسيحية. كما إنه مدعوٌّ للتمسّك بقيم العائلة التي هي الكنيسة الأولى، وبالدفاع عن الحياة في جميع مراحلها.

    هو مؤتَمَنٌ على إخوته وأخواته في الأبرشية، يرافقهم ويشجّعهم ويعطيهم المثال الحياتي، في محبّتهم للكنيسة، وتعلُّقهم بوطنهم وتجذُّرهم في أرض آبائهم وأجدادهم وحضارتها، مذكّراً إيّاهم بأنهم الأبناء والأحفاد لأجيالٍ من الشهداء سفكوا دماءهم من أجل إنجيل المحبّة والفرح والسلام وللحفاظ على كرامة الشخص البشري.

    كما أنه مؤتَمَنٌ على نشر حضارة المحبّة وعلى أولوية الحوار الحياتي الصادق بين جميع فئات المجتمع الذي ينتمي اليه، فيدعو إلى الحوار دون تمييز بسبب الدين أو الطائفة أو اللون أو العرق... ليضحي رائد الحوار البنّاء وفاعلاً حقيقياً للسلام.

    وفي هذه المناسبة، أودّ أن أتأمّل معكم بالنتائج المحزنة للنكبة المروّعة التي حلّت بكم في السنوات الأخيرة. أجل: كلّنا نذكر تلك الهجمات الإرهابية التي خلّفت القتل والدمار والتهجير. لقد اقتلعت عشرات الألوف من المؤمنين الأبرياء من أرضٍ سُقيت بدماء الآباء والأجداد وعرقهم، ممّا دفع الكثير من العائلات إلى التهجير والتشتُّت في أكثر من بلد وقارّة. وها سيادة أخينا الجليل مار يوحنّا بطرس ولفيف الخوارنة والكهنة والرهبان والراهبات، أضحوا معكم تجسيداً للإيمان الحيّ، وشهادةً للتحدّي والصمود تجاه الإرهاب التكفيري وفي وجه قوى الشرّ التي أرادت قتل الرجاء في نفوسكم المؤمنة.

    أقول وأكرّر: لقد حملتم الصليب على مثال المخلّص معلّمنا الإلهي، وحافظتم على إيمانكم وتراثكم ورجائكم الذي نال إعجاب العالم المُخلِص شرقاً وغرباً.

    ومار نثنائيل نزار جاء لكي يشارككم الرجاء فوق كلّ رجاء، لتجدّدوا ثقتكم واتّكالكم التامّ على الذي وعد أن يبقى مع كنيسته طول الأيّام، عندما طمأن بعد قيامته تلاميذه الخائفين: "ثقوا، إني غلبتُ العالم!".

    البارحة كنتُ في مزار سيّدة فاتيما في البرتغال حيث شاركتُ في مؤتمر صلاة وتأمّل وتفكير حول دعوتنا نحن المسيحيين، أفراداً وعائلاتٍ ومجتمعاتٍ، كي نعيش الرجاء والفرح في عالمٍ يتخبّط في متاهاتٍ من الشكّ واليأس والضلال. ولقد ذكرتُكم في صلواتي في ذاك المعبد الشهير الذي يذكّرنا بالظهورات العجيبة لأمّنا العذراء مريم لأطفال فاتيما الصغار قبل مئةٍ وعامين، والتي من خلالها طمأنَتْنا الأمّ السماوية بأنّ السماء لم تنسَ دنيانا وبأنّ شفاعتها تشمل جميع الأبرياء والمهمَّشين والمعذَّبين، أينما كانوا، في أرضنا "وادي الدموع".

    نرفع أنظارنا نحو مريم العذراء سيّدة فاتيما وسلطانة السلام شفيعة هذه الأبرشية، متضرّعين إلى الرب يسوع بشفاعتها، كي يتمّم تأسيس هذه الأبرشية بالروح والحق، ولكي يحمي شعب إقليم كوردستان والعراق، ويحقّق المصالحة بين جميع المكوّنات صغيرةً كانت أم كبيرة في عراقنا العزيز، ويبشّر بقيامة بلاد الرافدين بالازدهار والأمان، آمين.

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان

    بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

 

 

إضغط للطباعة