الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك في قداس السيامة الأسقفية للمطران مار متياس شارل مراد، في كاتدرائية سيّدة البشارة – بيروت

 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في قداس السيامة الأسقفية للمطران مار متياس شارل مراد، أسقفاً للدائرة البطريركية، وذلك مساء يوم السبت 14 نيسان 2018، في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت: 

 

"كن مثالاً للمؤمنين: بالكلام والسيرة... لا تهمل الموهبة التي فيك" (1 تيم 4: 12)

 

    كلمات ترحيب...

    لقد استمعنا منذ قليل إلى الإرشادات التي وجّهها بولس رسول الأمم إلى تلميذه تيموثاوس وقد سمّاه: "الحبيب والمخلص في الإيمان"، مذكّراً إيّاه بأنّ الدعوة إلى الأسقفية هي موهبة من الله بوضع يد الرسل وخلفائهم، فحذارِ أن يهمل هذه الموهبة. ومنبّهاً إيّاه كي يكون "المثال للمؤمنين الموكَلين إلى خدمته، بالكلام والسيرة والمحبّة والإيمان والعفاف". ومشجّعاً إيّاه كي يؤدّي خدمته من إعلان للكلمة والوعظ والتعليم بالثبات، أي "بروح القوّة والمحبّة والفطنة" (2 تيم 1: 7)، فيخلّص التلميذ نفسه ومعه نفوس المؤمنين الذين أؤتُمِن على خدمتهم.

    كما أننا أصغينا إلى البشرى التي نقلها لنا متّى الرسول، وفيها ورد أنّ الرب يسوع هنّأ شمعون بطرس إذ اعترف به ابناً للّه الحيّ، وسمّاه "الصخرة" التي عليها سيبني بيعته، أي جماعة المؤمنين، مؤكّداً أنّ "أبواب الجحيم" وقوى الشرّ، مهما عصفت لن تنال من البيعة..! ومعنى اختيار هذا النص في السيامات الأسقفية، هو تذكيرٌ لنا واضح بأنّ الخدمة الأسقفية هي دعوة خاصة يدعو إليها المعلّم الإلهي، مَن هو أهلٌ لاتّباعه في مسيرته الفدائية: "لستم أنتم الذين اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار، وتدوم ثماركم" (يوحنّا 16: 15). فالدعوة إلى الأسقفية عطية من الرب نقلها لنا الرسل أنفسهم، إذ إنهم وضعوا أيديهم على رعاة يخلفونهم للخدمة، ومنهم وصلتنا هذه الموهبة حتّى يومنا هذا.

    فالأسقف، خليفة الرسل مدعو ليس فقط للكرامة، بل لتحمّل المسؤوليات الثقيلة والجسيمة التي تُلقى عليه، وما أثقلها من مسؤوليات في يومنا! لذلك يتّكل الأسقف أولاً وأخيراً على الرب يسوع، الذي يجعل من كفاءاته البشرية وقواه الذاتية وزناتٍ مثمرة. فهي النعمة الإلهية، التي تقوّيه وتقوده في طريق الخدمة الأسقفية، بالأمانة والسخاء والثبات، مهما كثرت التحدّيات وتراكمت الصعوبات وتلكّأت الطبيعة البشرية.

    وشعار أسقفنا الجديد "أبونا شارل" الذي تعرفونه، "بالحقّ والمحبّة"، يعبّر أجمل تعبير عن الرسالة التي يتّخذها كلّ أسقف يسعى لكي يلبّي دعوة الرب كتلميذ أمين على غرار الرسل الإثني عشر. شعارٌ يجمع بين العدالة والمحبّة، عندما يُدعى لتفهُّم الضعفاء، لمكافأة الأخيار، لمسامحة المقصّرين، لإعلان الحقيقة دون تردّد أو تزلّف، ونشر جوّ من الفرح والرجاء ينفح طيبةً وخيراً.

    وشعاره يذكّره بأنه المؤتَمَن على الإيمان الذي نقله إلينا آباؤنا القدّيسون، فيعيش روح الإنجيل بأمانة وإخلاص، وينادي دون تردّد بالأخلاق المسيحية، مرشداً ومتضامناً مع الجمعيات والأخويات التي تتمسّك بقيم العائلة التي هي الكنيسة الأولى.

    وبـأنه مؤتَمَنٌ على إخوته وأخواته، جماعة المؤمنين في الأبرشية البطريركية في لبنان، يرافقهم ويشجّعهم ويعطيهم المثال الحياتي، في تمسّكهم بمحبّة الرب دون شروط، وبتعلّقهم بكنيستهم السريانية. فيشاركوا بروح النزاهة المتجرّدة في بناء مؤسّسات أبرشيتنا هذه، من روحية وتربوية واجتماعية. فيضحي الراعي المحبّ، المتفهّم والمشارك. يعمل بحكمة، وصبر وتواضع "تعلّموا منيّ، فإني وديعٌ ومتواضع القلب" كما يقول الرب يسوع... كما أنه يبذل كلّ جهد كي يرافق ويترافق مع إخوته الكهنة في مسيرتهم الخدمية في رعاياهم، مسخّراً ذاته وكفاءاته، كي يتمّموا دعوتهم بالأمانة لمعلّمهم الإلهي، وبالنشاط السخي والمتجدّد.

    وكأسقف يعيش الأمانة للكنيسة الجامعة، بروح الشراكة مع إخوته في مجمع أساقفتنا، فهو مؤتمَنٌ أيضاً على تراث كنيستنا العريق، إذ إنه مدعوّ للتمسّك بالروحانية المشرقية وبطقسنا السرياني، فيغذّي عاطفة الفخر والإعتزاز في نفوس المؤمنين، مذكّراً إيّاهم بأنهم الأحفاد والحفيدات لأجيالٍ لا تُحصى من الشهداء والمعترفين، شهدوا لإنجيل المحبّة والسلام، وتفانوا من أجل كرامة الإنسان يقرّون بها لجميع الناس.

    كما أنه مؤتمَنٌ على نشر حضارة المحبّة وعلى أولوية الحوار الحياتي الصادق بين جميع فئات المجتمع الذي ينتمي إليه، دون تمييز بسبب الدين أو الطائفة أو اللون أو العرق... ليضحي رائد الحوار البنّاء وفاعلاً حقيقياً للسلام...

    أبونا شارل الذي يحتفل غداً بذكرى مولده التاسعة والأربعين، لبّى دعوة الرب بفرح منذ صباه، والتحق بإكليريكية سيّدة النجاة - الشرفة، وسيم كاهناً، وانطلق يخدم كنيسته السريانية، محصّلاً العلوم الكنسية والقانونية في لبنان وروما. يشهد له من التقى به وعرفه بخدمته الكهنوتية المعطاءة، ودوماً بالروح المرحة، ينشر حوله الفرح والأمل، فنال إعجاب كلّ مَن التقى به، من أعضاء رعيته "سيّدة البشارة"، ومن الأصدقاء والمعارف العديدين. ولسعيه كي يجسّد قولاً وفعلاً محبّة الرب، وبعطاءاته المشكورة في حقول الخدمة الرعوية والتعليم وممارسة العدالة، اختاره آباء مجمعنا الأسقفي المقدس وانتخبوه كي يقبل الدرجة الأسقفية، فيشاركهم في مسؤولية رعاية كنيستنا، فيضحي بنوع أخص مبشّراً بالكلمة، ومعلّماً وراعياً، كما يليق ويتوجّب على الأسقف خليفة الرسل.

    نهنئ أسقفنا الجديد من أعماق القلب، ويشاركنا في التهنئة إخوتنا وإخوته أعضاء مجمعنا المقدس والكهنة وأبناء رعيته وبناتها كافّةً. كما أننا نهنّئ والدته العزيزة وإخوته وعائلاتهم، مستمطرين عليهم جميعاً بركات الآب السماوي.

    إلى العذراء مريم أمّنا السماوية، سيّدة البشارة، شفيعة هذه الكاتدرائية، نضرع كي تشفع فينا لدى ابنها، مخلّصنا ومثالنا في الخدمة الأسقفية، فيقوم المطران الجديد مار متياس شارل بمسؤوليات خدمته الأسقفية الجديدة، بكلّ أمانةٍ وسخاءٍ وتجرُّد، حسب روح الإنجيل وتعليم الكنيسة الكاثوليكية، ويضحي الأب والأخ والصديق لجميع من يقصده. آمين.

 

إضغط للطباعة