الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
في زيارة رعوية مفاجئة الى شمال العراق، البطريرك يونان يتفقّد النازحين السريان من بلدة قره قوش والجوار، ويحثهم على العودة الى ديارهم

 
 
   

    إثر تعرّض بلدة بخديده ـ قره قوش السريانية (من سهل نينوى، شمال العراق) إلى قصفٍ عشوائي من قبل مسلّحين جرّاء الأحوال المتردّية في مدينة الموصل وجوارها، اضطرّ عدد كبير من أهالي هذه البلدة الآمنة إلى نزوحٍ مفاجئٍ وجماعي لم يسبق له مثيل، متوخّين الأمن في مدن إقليم كردستان، سيّما مدينة عنكاوا، وألقوش ودهوك.

    وفور ورود هذا النبأ الأليم، غادر غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، مقرّ كرسيه البطريركي في بيروت، وتوجّه على عجلٍ ظهر السبت 28 حزيران 2014 إلى العراق، يرافقه سيادة المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، والأب فراس دردر والشمّاس حبيب مراد أمينا السرّ في البطريركية، وذلك لتفقُّد أحوال أبنائه وبناته أهالي هذه البلدة المنكوبة.

 

    فمن مطار أربيل حيث استقبله وزير الداخلية في حكومة كردستان كريم سنجاري، ووزير النقل والإتصالات جونسون سياويش، وعدد من الأساقفة والمسؤولين، انتقل غبطته حالاً إلى زيارة عددٍ من المراكز المخصصة لإيواء النازحين في عينكاوا ـ أربيل، وهم في حالة بائسة يعانون ألم مغادرة الأرض. فواساهم غبطته وشجّعهم على تحمُّل مضاعفات هذه المحنة بصبرٍ وإيمانٍ ورجاءٍ، ليحثّهم على "العودة إلى بلدتهم وبالأخص الشباب بينهم رغم التحدّيات، فيكونوا على قدر المسؤولية في الدفاع عن أرضهم والتمسُّك بها". وفي كلّ زيارةٍ، كان غبطته يشيد "بالجهود الجبّارة التي قُدِّمت للآلاف من العائلات النازحة من قبل المطران بشّار وردة رئيس أساقفة أربيل للكلدان، وجمعية الرحمة، وسائر الأخويات، والمنظّمات المدنية، والمؤسّسات والأهالي أفراداً وجماعات".

    وقد بثّت زيارة غبطته روح الحياة في هؤلاء المؤمنين الذين هلّلوا لقدوم أبيهم الروحي العام إليهم، رسولاً للمحبّة والسلام والرجاء والأمل بمستقبلٍ أفضل.

    وفي اليوم التالي، الأحد 29/6، أقام غبطته قدّاساً لهؤلاء النازحين في كاتدرائية مار يوسف للكلدان بعينكاوا. وجدّد خلال الموعظة دعوته لهم "بتحمّل هذه المحنة الأليمة بالصبر والإيمان"، مشجّعاً إيّاهم على "التغلّب عليها بشجاعةٍ وروحٍ وطنيةٍ متأصّلةٍ في تاريخ أجدادهم وجدّاتهم الممزوج بالشهادة"، وحاثّاً "جميع القادرين على العودة إلى بلدتهم ومنازلهم وأعمالهم".

    ومن هناك، تفقّد غبطته بلدة برطلة السريانية، حيث احتشد المؤمنون للقاء أبيهم الروحي، حاملين أغصان الزيتون. فشجّعهم غبطته وشدّ أزرهم، ممتدحاً إيمانهم وثباتهم، ومتفقّداً النازحين إلى هذه البلدة من قره قوش.

    ثمّ انتقل غبطته إلى بلدة بغديده ـ قره قوش، المحطّة الرئيسية في زيارته الأبوية. وكانت المفاجأة في القداس المسائي الذي أقامه في كنيسة الطاهرة الكبرى، التي احتشد فيها ألوف المومنين، في مشهدٍ أشبه بالأعياد الكبرى. ها هم أبناء هذه البلدة يلبّون نداء الرب على لسان غبطة أبيهم البطريرك، فيعودون إلى أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، والقلّة الباقية على طريق العودة في غضون ساعات. وهناك ارتجل غبطته موعظةً أبويةً، امتدح فيها "أصالة وعراقة أبناء هذة البلدة الذين يتحلّون بالإيمان والرجاء والمحبّة، وقد استقبلوا في السنوات الأخيرة النازحين من بغداد والموصل وسواها من المدن". وحيّا غبطته صمودهم، مثبّتاً عزيمتهم في "التشبّث بالأرض، والذود عنها بكلّ ما أوتوا من قوّةٍ وعزمٍ ومحبّةٍ وإخلاص". كما أكّد غبطته "بأننا شعبٌ لا يطالب بامتيازاتٍ، بل بالمساواة في المواطنة مع سائر مكوّنات بلاد الرافدين، وأنّنا دعاة سلامٍ وتآخٍ لا عنف ولا تصادُم".

    وقدّم غبطته جزيل الشكر لرئيس إقليم كردستان وحكومته وجيشه على "كلّ المساعدة التي قدّموها للنازحين وللبلدة، لتخطّي الظروف الراهنة، وكلّ ما سيقومون به مع جميع النزيهين والمخلصين لتأمين الخدمات للمواطنين كي يعيشوا بكرامةٍ في بلدتهم".

    وحثّ غبطته أبناء البلدة على "توحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم للنهوض ببلدتهم"، معلناً رسالته لهم: "أن يجعلوا بلدتهم بخديده ـ قره قوش الأولى في همومهم وأفكارهم ومشاريعهم، مقدّمينها على كلّ انتماءٍ وموالاة. فتنهض من كبوتها وتعود إلى سابق عهدها، مشعّةً في هذه المنطقة بالخير والسلام". وكان غبطته قد عبّر عن شكره وتقديره لسيادة راعي الأبرشية المطران مار يوحنّا بطرس موشي وكهنته الذين صمدوا في بلدتهم رغم الأخطار التي أحدقت بهم، مقدّمين أنصع الأمثلة عن الراعي الصالح الذي "لا يهرب... بل يبقى مع القطيع"، مهنّئاً جميع أبناء البلدة لأنهم لبّوا النداء فعادوا إلى بلدتهم. وختم موعظته لاهجاً "بمدح وشكر الرب الذي افتقد شعبه وخلّصه".

    وقبل عودته إلى لبنان، تفقّد غبطته صباح يوم الإثنين 30/ 6 بعض العائلات التي كانت نزحت إلى بلدتي دهوك وألقوش، وحثّهم على العودة سريعاً. ثمّ زار وزير الداخلية في حكومة كردستان لشكره، وتأكيد مطالبة أبناء قره قوش بتأمين الخدمات للبلدة بأسرع وقتٍ، ولمس منه كلّ تجاوبٍ واحتضانٍ للبلدة وسكّانها.

    وقد التقى غبطته بغبطة أخيه مار لويس روفائيل الأوّل ساكو بطريرك بابل على الكلدان، وتداولا في أوضاع المسيحيين وحضورهم في العراق، بحضور مطارنةٍ من الكنيستين السريانية والكلدانية.

    لقد كانت زيارة أبوية تاريخية بكلّ ما للكلمة من معنى، أعلن فيها الأب تضامنه مع أبنائه الذين بادلوه المحبّة، فعادوا إلى بلدتهم ليتابعوا فيها الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام. شكراً لله على عطيّته التي لا يُعبَّر عنها.

 

 

إضغط للطباعة