الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
نص الكلمة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك خلال لقاء الصلاة المشتركة في ختام اجتماع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في سوريا

 
 
 

    ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان خلال لقاء الصلاة المشتركة في ختام اجتماع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في سوريا، وذلك في كاتدرائية مار الياس المارونية ـ حلب

صاحب الغبطة

أصحاب السيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة

الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة

أيها الأبناء والبنات المبارَكون بالرب

 

 

    نلتقي اليوم سويةً في هذه الأمسية لنصلي معاً، رافعين أنظارنا إلى رئيس أحبار إيماننا، ربنا يسوع المسيح. هو رجاؤنا الذي لا يخيب، ونحن نعيش مع الكنيسة المقدسة أفراح عيد القيامة المجيدة، التي بها منحنا الرب يسوع الغلبة، فخلّصنا بنعمته وأقامنا معه عاقداً عهد السلام والأمان مع البشرية جمعاء.

    لقد بدا موت الرب يسوع وكأنّ رجاء من وضعوا ثقتهم به ضاع وخاب، لكنّ شعلة الإيمان لم تنطفئ بالكامل، خصوصاً في قلب مريم العذراء، أمّ يسوع، بل بقيت تلك الشعلة مضاءةً حيّةً حتى في عتمة الليل الحالكة.اجتاز يسوع طريق الهلاك والموت ليفتح لنا ممرّاً نحو ملكوت الحياة.

    إنّ إعلان القيامة يدلّ على أنّ الموت ليس الكلمة الأخيرة للوجود البشري، ويكشف عن وفرة محبة الله لنا. هذه القيامة تجدُ أبعادَها ومعانيها العميقةَ في حياتنا اليوم، من خلال التضامن فيما بيننا، نابذين ما يسيطر علينا ويشوّهنا من مشاعر أنانية، وحبّ ذات، واستئثار، منفتحين على أبعاد الروح الأصيلة، وهي أبعاد المجانية التامة والغفران والمصالحة، وفوقها جميعها المحبة التي تجعل منّا تلاميذ حقيقيين لمعلّمنا الصالح الرب يسوع المسيح، إله المحبة والسلام.

    وتبرز هنا أهمية الشهادة المرتبطة بالشراكة في دعوتنا الإيمانية، إذ لا يمكن عيش الشراكة الكنسية والرعوية ما لم نكن شهوداً لقيامة المسيح. وهكذا نعيش فرح القيامة ورجاء الحياة الأبدية التي خطّها لنا الرب يسوع من خلال حياتنا بالشهادة في كنائسنا المشرقية، بروح الشراكة الحقيقية وبالتساوي، سيّما في قبولنا واحدنا الآخر وتعاوننا وانفتاحنا ككنائس ذات تقاليد خاصة وتراث مميّز، على ما ورد في توصيات سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط الذي انعقد في روما خلال شهر تشرين الأول من عام 2010.

    بهذا التوجّه، نحيا الرجاء منتظرين الإرشاد الرسولي الذي سيعلنه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته لبنان في شهر أيلول القادم. كما نستعدّ للسينودس الأسقفي العام للكنيسة الكاثوليكية جمعاء، الذي سيُعقد في روما خلال شهر تشرين الأول القادم وموضوعه "الكرازة المتجدّدة".

    أيها الأحباء

    إنّ فرحنا بقيامة الرب هو الذي يمنحنا التفاؤل مهما اشتدّت علينا الأيام، وثقلت علينا المحن والمصائب. وفي نظرةٍ إلى ما يعانيه شرقنا الغالي، نجد أنفسنا في مواجهة تحدّيات كبيرة تقلقنا وتعصر قلوبنا وتمتحن إيماننا وثقتنا ورجاءنا بالذي منحنا عربون الحياة بقيامته.

    فاليوم، يعاني الكثيرون من أبنائنا وبناتنا من جراء الاضطرابات والخصومات التي تنشب في بلدان وأماكن عدة من هذا الشرق، محدثةً ثوراتٍ وأعمال عنف تهدّد وجودهم وشهادتهم. ونحن إذ نؤكّد عدم الانحياز لأيّ نظام أو فئة، نتساءل عن معنى الألفاظ والشعارات التي تطلقها دولٌ أو جماعات، فيما يخصّ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية. كما نؤكّد ضرورة تطبيق "شرعة حقوق الإنسان والمواطن" التي سنّتها منظّمة الأمم المتّحدة، سيّما ما يرتبط بحرية الضمير والمعتقد، بما يصون كرامة الإنسان وحقوقه، كل إنسان وكل الإنسان.

    وفي بلدنا الحبيب سوريا، يعاني الكثيرون ظروفاً صعبة ومؤلمة لم تعرف البلاد مثيلاً لها منذ زمنٍ بعيد. إننا نعرب عن ألمنا الشديد لما حلّ بهذه الأرض الطيّبة، حيث تُراق الدماء وتُستنزف ركائز الوطن ودعائمه في أعمال عنف تهدّد مستقبله. نسأل الله أن يتغمّد جميع شهداء الوطن بمراحمه الواسعة، ويمنح الجرحى الشفاء التام، ويمنّ على القلوب المفجَعة بتعزياته السماوية.

    كما يهمّنا أن نؤكّد لأبنائنا وبناتنا في هذا الوطن الغالي أنّنا إلى جانبهم، نرافقهم لحظةً بلحظة، مصلّين من أجلهم، يحدونا الأمل بغدٍ مشرق، تعود فيه سوريا إلى وحدتها وازدهارها. ونناشد جميع المسؤولين والقيّمين على شؤون البلاد ومعهم سائر فئات الشعب أن يحكّموا ضميرهم وحسّهم الوطني، متعاونين ومتعاضدين في سبيل رفعة بلدهم والنهوض به، عبر انتهاج سبيل الحوار والتآخي ونبذ العنف والبُغض. ونتضرّع إلى الرب كي يأخذ بيد كل ذي إرادة طيّبة لما فيه خير الوطن، بالمحبة والتسامح والمصالحة، فينعم الجميع بالسلام والأمان والاستقرار.

    أيها المبارَكون،                      

    إنّ الرب يسوع القائم من الموت لا ينتمي إلى الماضي، بل هو حاضر اليوم، إنه حيّ. المسيح هو رجاؤنا وعزاؤنا. إنه حاضرٌ كقوة رجاء من خلال كنيسته، وقريبٌ من أوضاع الألم والظلم التي تحيط بنا.

فليهبْنا المسيح القائم من الموت الأمل كي تتعاون جميع المكوّنات العرقية والثقافية والدينية في الشرق الأوسط في سبيل الخير المشترك ومن أجل احترام حقوق الإنسان. وهنا نستذكر نداء قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في دعوته "لتتوقّف إراقة الدماء في سوريا، بنوعٍ خاص، فيُصار إلى اعتماد طريق الاحترام والحوار والمصالحة بدون مماطلة. ولتجد الأعداد الكبيرة للاجئين القادمين من هذا البلد والمحتاجين إلى المعونات الإنسانية الاستقبالَ والتضامنَ القادرَيْنِ على التخفيف من آلامهم".

 

    نسأل الله أن ينشر أمنه وسلامه وفرحه في قلوبنا جميعاً، وفي سوريا الحبيبة ومشرقنا الغالي والعالم بأسره.

    فلنصغِ بيقينٍ تام إلى وعده لنا بقوله:

    "لا تخافوا"، "لكن ثقوا إني قد غلبتُ العالم". ولتشملنا جميعاً نعمة وبركة الثالوث الأقدس: الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد. آمين.

 

إضغط للطباعة