غبطة أبينا البطريرك يرسم الراهب الفرنسيسكاني الديري الشمّاس نعيم توما كاهناً

    في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت 16 آب 2025، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي، وخلاله قام غبطته برسامة الراهب الفرنسيسكاني الديري الشمّاس نعيم توما كاهناً، وهو ابن أبرشية بيروت البطريركية في كنيستنا السريانية الكاثوليكية، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف - بيروت.

    عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد، بحضور ومشاركة صاحبي السيادة: مار أفرام يوسف عبّا، والمطران سيزار أسايان النائب الرسولي للاتين في لبنان، وعدد من الآباء الكهنة يمثّلون أبرشية بيروت البطريركية ودير الشرفة، وعدد من الرهبان الفرنسيسكان الديريين، بمشاركة جمع من المؤمنين، وفي مقدّمتهم عائلة المرتسم وأهله وذووه. وخدم القداس جوق كاتدرائية سيّدة البشارة.

    تلا غبطته الإنجيل المقدس، وخلاله نفخ في وجه المرتسم نفخة الروح القدس.

    وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتوجيه التهنئة إلى "صاحب السيادة المطران سيزار أسايان بسيامة الكاهن الجديد نعيم، ونهنّئ الرهبانية الفرنسيسكانية الديرية بهذه الرسامة، وقد طلب الراهب الفرنسيسكاني الشمّاس نعيم أن يُرسَم كاهناً حسب طقس كنيسته السريانية التي تفتخر بأبنائها المؤمنين الذين يعيشون أمانتهم للرب يسوع وللكنيسة. ويشاركنا بهذه المناسبة سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، كما نفرح بمشاركة الآباء الكهنة من كنيستنا السريانية، بدءاً بالعميد اليوم الأب جليل هدايا، النائب القضائي في أبرشية بيروت البطريركية، ونشكر جوقة سيّدة البشارة التي تخدم القداس والرسامة".

    ولفت غبطته إلى أنّنا "سمعنا هذا التعليم العميق بالمعاني والحقائق عن سرّ الكهنوت لمار بولس، أكان برسالته إلى أهل كورنثوس أو إلى تلميذه تيموثاوس. فالكاهن هو تلميذ الرب يسوع، وهو الوكيل عن الرب لخلاص النفوس في الرعية. ومن أهمّ صفات الوكيل الأمانة: الأمانة للإيمان بالرب، والأمانة للكنيسة، والأمانة للسرّ الذي سيناله نعيم، سرّ الكهنوت المقدس، الذي هو، بحسب الآباء السريان، سرٌّ يتمنّاه حتّى الملائكة، لدرجة أنّ الكاهن هو أعظم من الملائكة، لأنّه حين يقدِّس يحمل إلينا الرب يسوع المخلِّص على المذبح. إنّها مسؤولية كبيرة وخطيرة للكاهن، ليس فقط لأنّها رتبة ينالها برسامته وانتهى الأمر، بل عليه أن يكون أميناً للدعوة التي دعاه إليها الرب".

    وتأمّل غبطته بقول الرب يسوع "أنا اخترتُكم"، منوّهاً بأنّه "صحيح بعدما اختبر نعيم الحياةَ، أراد أن يتبع الرب يسوع من كلّ قلبه، عن طريق هذه الدعوة المهمّة، دعوة الكهنوت، كما نتذكّر كلّنا كلام يسوع القائل: أنا هو الطريق والحقّ والحياة. على نعيم إذاً أن يستمرّ باتّباع الرب يسوع كلّ حين، لأنّه هو الذي يخلّصنا، وعليه أن يتمسّك بالحقّ، أي ألا يعيش بوجهين في هذا العالم، فالحقّ هو الرب يسوع. وعليه أن ينشر على الدوام الحياة في مجتمعنا اليوم الذي يتّصف، للأسف، بما يُسمَّى ثقافة الموت، إن كان للجنين في بطن أمّه، وإن كان في أواخر حياته بما يُسمَّى الموت الرحيم. عليه أن يتمسّك دائماً بالحياة، ونحن جميعاً نعده أنّنا سنصلّي من أجله كي يكون حقيقةً أهلاً لهذا الإختيار الربّاني".

    وأشار غبطته إلى أنّه "في رسامتنا الكهنوتية بحسب طقسنا السرياني الأنطاكي، تتمّ الرسامة دائماً قبل المناولة، وهذا أمر مهمّ جداً، فنُذَكِّر أنّ الكاهن هو الرسول الذي يحمل إلينا يسوع، ويقرّب يسوع على المذبح، وأنّ الإفخارستيا، سرّ القربان المقدس، هو السرّ الذي يميّز الكهنوت عن باقي الدعوات في الكنيسة، حتّى الدعوات الرهبانية. وفي الرسامة سترون أيضاً أنّ الذي يرسم يلفّ بدلة القداس على المرتسم، تعبيراً على أنّ الرئيس الكنسي يمنح الولادة الروحية الكهنوتية لهذا التلميذ. نعم، ربّما تجدون ذلك أمراً غريباً، لكنّ معانيه الرمزية هامّة جداً، أنّ الكاهن هو مولود الرئيس الكنسي، بمعنى أنّ الرئيس الكنسي يعطي الولادة الكهنوتية للمدعوّ، والرباط بينهم هو رباط النعمة والمحبّة الذي عليه ألا يزول مهما كانت ظروف الحياة في العالم".

    وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع أن يرافق نعيم على الدوام، ونهنّئ أهله الأعزّاء ورهبانيته والكنيسة بأسرها على هذه الرسامة. ونسأل الرب، بشفاعة أمّنا العذراء مريم التي احتفلنا البارحة بعيدها الكبير، عيد انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء، أن يباركه ويحميه ويرافقه دائماً أينما كان في رسالته".

    وقبل المناولة، ترأّس غبطة أبينا البطريرك رتبة الرسامة الكهنوتية بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، مستهلاً إيّاها بالتوصيات والتوجيهات للمرتسم، موجّهاً إليه أسئلةً أجاب عنها مجاهراً بإيمانه وواضعاً يده على الإنجيل والصليب. ثمّ توالت الصلوات والترانيم، وتلا غبطته صلاة دعوة الروح القدس، مغطّياً المرتسم ببدلته الحبرية وناقلاً إليه بركة الأسرار المقدسة. وبعدئذٍ وضع غبطته يمينه على هامة الشمّاس نعيم توما، ورقّاه إلى درجة الكهنوت المقدس، وسط جوّ روحي خشوعي مهيب، يعبق بالترانيم السريانية.

    ثمّ ألبس غبطتُه الكاهنَ الجديدَ الأب نعيم الحلّة الكهنوتية، وسلّمه المبخرة. فطاف الكاهن الجديد في زيّاح خشوعي داخل الكاتدرائية، ومعه عرّابه، وسط التهاليل والتصفيق الحادّ وجوّ من الفرح الروحي.

    وبعد المناولة، أكمل الكاهن الجديد القداس الإلهي. ثمّ ألقى كلمة الشكر، استهلّها بآية المزمور القائلة: "سبّحوا الرب يا جميع الشعوب وباركيه أيّتها الامم لأنّ رحمته غلبت علينا وأمانته إلى الأبد"، شاكراً الرب على هذه النعمة العظيمة، وموجّهاً شكره وامتنانه إلى غبطة أبينا البطريرك على توجيهاته الأبوية ومحبّته ودعمه وتشجيعه، شاكراً أيضاً الأساقفة والخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والمؤمنين، خاصّاً بالشكر والديه وإخوته، راجياً من الجميع أن يصلّوا من أجله كي يكون أميناً على الدعوة التي دُعي إليها، ومتعهّداً بالإخلاص للرسالة المقدسة التي ائتُمِن عليها.

    وبعد البركة الختامية، تقبّل الكاهن الجديد الأب نعيم توما التهاني من الحضور جميعاً بهذه المناسبة المباركة المفرحة. ألف مبروك.