الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل للكلمة التأبينية التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك في رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات المطران مار اقليميس يوسف حنّوش

 
 

    ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التأبينية البليغة التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وتمّت تلاوتها في رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، وذلك في كاتدرائية سيّدة الوردية المقدسة، الظاهر – القاهرة، مصر، قبل ظهر يوم السبت 11 نيسان 2020:

 

"كن أميناً إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10)

الكلمة التأبينية للبطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي

في رتبة جنّاز ودفن المثلّث الرحمات المطران مار اقليميس يوسف حنّوش

كاتدرائية سيّدة الوردية – الظاهر، القاهرة – مصر، السبت 11 نيسان 2020

 

    صاحب الغبطة أخانا العزيز ابراهيم اسحق سدراك، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك الكلّي الطوبى

    Son Excellence Nicola Thevenin, Nonce Apostolique en Egypte    

    صاحب السيادة أخانا المطران جورج شيحان، راعي أبرشية القاهرة المارونية، والذي يترأس باسمنا هذه الرتبة

    أصحاب السيادة الإخوة مطارنة الكنائس الشقيقة في مصر

    الآباء الكهنة والشمامسة والمؤمنين في أبرشية القاهرة والنيابة البطريركية على السودان للسريان الكاثوليك

    أيّها المؤمنون المبارَكون، وأفراد عائلة المثلّث الرحمات والأقرباء والأنسباء والأصدقاء

 

    بأسىً بليغ وحزنٍ عميق، تلقّينا مساء أول أمس، خميس الأسرار بحسب التقليد الغربي، في التاسع من نيسان / أبريل 2020، النبأ المفجع برقاد المثلّث الرحمات مار اقليميس يوسف حنّوش مطران أبرشية القاهرة والنائب البطريركي على السودان، وعضو السينودس الدائم لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية.

    نعم، مساء الخميس، أسلم المثلّث الرحمات المطران يوسف حنّوش الروح مستودعاً إيّاها بين يدَي خالقها الذي أحبّه بقلبٍ طيّبٍ وديعٍ وروحٍ بشوشةٍ وبسمةٍ لم تفارقه حتى ساعاته الأخيرة، رغم ما عاناه من أوجاعٍ وآلامٍ أنهكت جسده الضعيف، فخارت قواه واستسلمت أخيراً بعد مقاومة آثار المرض الذي ألمّ به في الأشهر الأخيرة، وتحمّله بصبرٍ عجيبٍ وإيمانٍ متينٍ ورجاءٍ وطيدٍ، تلمّس خلاله حضور الله وتدخُّله معه، وتحسّس لمسته الشافية في كلّ مراحل المرض.

    أضحى المثلّث الرحمات المثال للمؤمن الحقيقي الذي يتماهى مع آلام الفادي، متيقّناً أنه إذا شاركه بآلامه سيشاركه بمجده أيضاً (رو 8: 17)، وحتّى إن مات معه فسيقوم معه أيضاً (رو 6: 8). وهل أفضل للمؤمن من أن يموت مع المسيح ليلة آلامه وموته، ليقوم معه بالمجد في قيامته! هكذا خارت قواه الجسدية، إلا أنّ قواه الروحية استمرّت محلّقةً في رحاب الإيمان، فتمّ فيه قول الوحي الإلهي في سفر الرؤيا: "كن أميناً إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10).

    أجل، عاش المطران يوسف حنّوش حتّى النفس الأخير الأمانة لثلاثة: الأمانة للرب يسوع وإنجيله، البشرى السارّة التي طبعت حياته بالفرح والبهجة والالتزام، والأمانة للكنيسة المقدسة وعقائدها وتعاليمها، وبخاصّة كنيسته السريانية الأنطاكية التي شغف بحبّها وتغنّى بترانيمها بصوته الشجيّ العذب، والأمانة لدعوته الكهنوتية والأسقفية، راعياً صالحاً للنفوس التي أُوكلت إليه، فخدمها بروحه الطيّبة ولطفه ودماثة خلقه وطيب معشره ومحبّته التي تشمل الجميع، وبسمته التي لا تفارقه زارعاً إيّاها أينما حلّ وفي كلّ مناسبة.

    كان المطران يوسف حنّوش قوياً بإيمانه وروحانيته وخصاله الإنسانية والكهنوتية والراعوية التي وهبه إيّاها المسيح الرب، الكاهن الأسمى و"راعي الرعاة العظيم" (1بط 5: 2). وبوفاته السريعة والمفاجئة تخسر أبرشية القاهرة والنيابة البطريركية في السودان كنزاً ثميناً حازته أسقفاً لها منذ أربعٍ وعشرين سنةً، وها هو في الشهر الأول من سنة يوبيله الأسقفي الفضّي التي عاجله الموت قبل أن يتمّها، فترمّلت الأبرشية بفقدها أباّ محبّاً وراعياً متفانياً ومدبّراً حكيماً.

    أمّا كنيستنا السريانية الأنطاكية، فهي تفقد حبراً جليلاً وعضواً فاعلاً ومميّزاً في سينودسها، لا بل عميداً للأساقفة العاملين رعاة الأبرشيات، ترك بغيابه جرحاً بليغاً في قلبنا وقلوب إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة آباء السينودس المقدس. ويعظم الجرح بسبب عدم تمكّننا نحن أو أيٍّ من إخوتنا آباء السينودس من الحضور والمشاركة الشخصية في مراسم جنّازه ووداعه الأخير، نظراً للظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم من جراء تفشّي وباء كورونا الخبيث، وما تتّخذه الحكومات والجهات المسؤولة من إجراءات لمجابهة هذا الوباء، ضارعين إلى الله أن ينقذ العالم من خطره الداهم.

    وفي هذا المقام، لا يسعنا إلى أن نوجّه جزيل شكرنا إلى غبطة أخينا البطريرك ابراهيم اسحق سدراك بطريرك الإسكندرية للكنيسة القبطية الكاثوليكية الشقيقة، وسيادة أخينا المطران Nicola Thevenin السفير البابوي في مصر، وسيادة أخينا المطران جورج شيحان راعي أبرشية القاهرة المارونية الذي كلّفناه بترؤّس مراسم الجنّاز باسمنا وتلاوة كلمتنا التأبينية هذه، كما طلبنا منه بالتنسيق مع غبطة أخينا البطريرك ابراهيم اسحق، أن يقوم بجرد موجودات المطرانية ومكتب المثلّث الرحمات. فقام سيادته مشكوراً بهذا العمل، وسيتابع مهمّته في الإشراف على دار المطرانية والأبرشية ريثما يلهمنا الرب إلى اختيار مدبّرٍ بطريركي يرعى الأبرشية، ليصار بعدها إلى انتخاب راعٍ صالح يخدمها بالروح والحق والمحبّة المتفانية، ليكون خير خلف لخير سلف.

    وُلد المطران يوسف حنّوش في القاهرة، من أبوين فاضلين هما عزيز عبد المسيح حنّوش وجانيت أوهانس دباغيان في ۲۷آذار ١٩٥٠، وتربّى وترعرع فيها، حيث تلقّى دروسه الابتدائية في مدرسة اليوسفية، وأكمل الإعدادية في مدرسة القديس ميخائيل، والثانوية في معهد السالزيان، وحصل على دبلوم عالٍ بالكهرباء. دخل إكليريكية المعادي للأقباط الكاثوليك بالقاهرة في ١٦ أيلول ١٩٦٩، حيث تابع تحصيل العلوم الكهنوتية، وحاز عام ۱۹۷۵على ليسانس بالفلسفة واللاهوت. وسيم كاهناً في كاتدرائية سيّدة الوردية في الظاهر بالقاهرة في 17 حزيران 1976، بوضع يد المثلّث الرحمات المطران مار باسيليوس بطرس هبرا، الذي عيّنه كاهناً لتلك الرعية، كما سلّمه مهمّة إرشاد الأخوية المريمية، وجمعية مار منصور - فرع مار أفرام للرجال، ونادي مار أفرام، ومدارس الأحد، وفرقة الكشّافة الأشبال التي بدأت عام ١٩٨١، فضلاً عن تدريس التعليم المسيحي في مدرسة القديس ميخائيل للسريان الكاثوليك.

    بعد وفاة الخوراسقف أندراوس عمون في ۲۰آب ۱۹۸٦، عيّنه راعي الأبرشية المثلّث الرحمات المطران مار باسيليوس موسی داود، البطريرك والكردينال بعدئذٍ، مديراً للمدرسة المذكورة، ثمّ كاهناً لرعية القديسة كاترينا بحيّ مصر الجديدة في ۲۰تشرين الثاني ۱۹۸۸وهو تاریخ افتتاح دار هذه الرعية الجديد وتدشينه من قبل المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك. كما عيّنه مطران الأبرشية نائباً عامّاً، ورسمه خوراسقفاً مع إنعام لبس الصليب والخاتم في ٧ تشرين الأول ۱۹۹۰.

    وبفضل ما تميّز به من صفاتٍ راعويةٍ وفضائلَ كهنوتيةٍ واستعداداتٍ داخليةٍ قلبيةٍ وروحيةٍ، انتخبه سينودس أساقفة كنيستنا المقدس مطراناً على القاهرة ونائباً بطريركياً على السودان في ۲۳حزيران ١٩٩٥، وذلك على أثر انتقال المطران موسی داود من أبرشية القاهرة وانتخابه رئيساً لأساقفة أبرشية حمص وحماة والنبك في سوريا، في صيف عام ١٩٩٤، وتمّت سيامته الأسقفية في كاتدرائية سيّدة الوردية بالقاهرة يوم الثلاثاء ١٩ آذار ۱۹۹٦، وهو عيد شفيعه مار يوسف، بوضع يد البطريرك حايك.

    تسلّم المطران يوسف حنّوش رعاية أبرشية القاهرة من سلفه المطران موسى داود الذي كان قد نظّم الشؤون الإدارية فيها. فتابع المطران حنّوش العمل بحماسٍ رسولي وجهدٍ راعوي وحسٍّ إداري تدبيري، بروح الراعي الصالح الذي ينشر حوله الفرح والوداعة.

    رمّم المطران يوسف حنّوش مقرّ المطرانية ومكاتبها في منطقة الظاهر، وطوّر مدرسة القديس ميخائيل لترتقي إلى مصافّ المدارس المتقدّمة والنموذجية بأحدث الوسائل التكنولوجية، حتّى أضحت المقصد للآلاف من الطلاب من مختلف الطوائف والمكوّنات، جمعهم سيادته، تعاوِنُه هيئتان إدارية وتعليمية يشار إليهما. فحصدت المدرسة ولا تزال أفضل النتائج على المستويات كافّةً، حتّى باتت نسبة النجاح فيها لا تقلّ عن 99%، سيّما في الأعوام الدراسية الأخيرة.

    أنشأ مستوصف ستّنا مريم العذراء وطوّره وأضاف عليه أقساماً جديدةً قمنا في زيارتنا الراعوية الأخيرة في كانون الأول / ديسمبر المنصرم بمباركتها. وتابع دعم الجمعية الخيرية في عملها ورسالتها لخدمة المحتاجين.

    كما اهتمّ سيادته بتعزيز الشؤون الروحية والراعوية في رعية الوردية المقدسة في الظاهر، ورعية القديسة كاترينا في مصر الجديدة، ورعية قلب يسوع الأقدس في الإسكندرية، إيماناً منه بأنّ الهدف الأسمى هو خلاص النفوس الموكلة إلى رعايته. فهيّأ مبنى الرعية في مصر الجديدة ورمّمه ليكون جاهزاً لخدمة الرعية، وتوفير أفضل الأجواء لمساعدة الكاهن في خدمة المؤمنين. وكذلك فعل في رعية الإسكندرية، حيث جمع شمل المؤمنين وأعاد افتتاح كنيسة لخدمتهم وتأمين حاجاتهم الروحية والراعوية. وفي كلّ الرعايا، احتضن الكهنة وأشرف على عملهم، وأسّس الأخويات والحركات الرسولية وفرق الكشّاف، مولياً الشبيبة اهتماماً خاصاً، لأنه أيقن أنّها حاضر الكنيسة ومستقبلها المُشرق.

    امتاز بروحه المرحة وقربه من أبناء أبرشيته بمختلف رعاياها، فأحّبهم جميعاً، وبادلوه الحبّ والوفاء. وما الأصداء الرائعة والمؤثّرة التي سمعناها في اليومين الأخيرين سوى دليل ساطع على مدى محبّة الناس له وتعلّقهم به وتقديرهم الكبير لعطاءاته وخدمته، مطبّقاً بالفعل شعاره الأسقفي "هاءنذا جئت لأعمل بمسرّتك يا الله" (عبرانيين 7: 10).

    وسعياً منه لتعزيز العمل الراعوي في الأبرشية بعد تراجُع عدد الدعوات الكهنوتية فيها، اختار ثلاثة شمامسة من جنسيات مختلفة من إكليريكية "أمّ الفادي" "Redemptoris Mater"، التابعة لطريق الموعوظين الجدد، فتابع تنشئتهم وسامهم كهنة لخدمة الأبرشية، وكان بصدد تهيئة شمّاس رابع أيضاً. فشكّلوا جميعاً فريق عمل أحاط بسيادته وبرع في الخدمة بروح الأمانة والإخلاص للكنيسة، ما يدعونا للثناء على خدمتهم وشكرهم، وحثّهم على متابعة نشاطهم بما زرعه المطران حنّوش فيهم من روح كهنوتية تمتاز بفرح الخدمة والتفاني في العطاء.

    وخلاصة القول، كان المطران يوسف حنّوش الراعي الصالح الذي "يعرف خرافه وخرافه تعرفه" (يو14:10)، ويدرك بكلّ دقّة تفاصيل الرعايا والأوقاف وحاجاتها، فواصل النهضة الروحية والراعوية والإدارية في الأبرشية. ونشأت بينه وبين الجسم الكهنوتي مشاعرُ محبّة، وتعاونٌ مخلِص. ونَعِمَ بثقة كلّ أبناء الأبرشيّة ومحبّتهم واحترامهم لشخصه ولتوجيهاته وقراراته، وقد لمسنا ذلك خلال زياراتنا الراعوية العديدة التي قمنا بها إلى أبرشية القاهرة العزيزة.

    وفي السينودس المقدس، حاز محبّة آباء السينودس واحترامهم وثقتهم وتقديرهم، وقد برز ذلك جلياً باختيارهم له عضواً في السينودس الدائم اعتباراً من حزيران / يونيو من العام الماضي. أمّا نحن، فقد تعاونّا معه ووجدنا فيه أخاً عزيزاً وراعياً غيوراً على رسالة الكنيسة ومدافعاً صلباً عنها في أحلك الظروف.

    أحرّ التعازي نقدّمها باسم آباء سينودس كنيستنا وإكليروسها ومؤمنيها في العالم إلى أبرشية القاهرة العزيزة، إكليروساً ومؤمنين، وخاصّةً أفراد عائلة المثلّث الرحمات وأقربائه وأنسبائه، متشاركين التعزية مع إخوتنا الأساقفة ورؤساء الكنائس في مصر.

    رقد المطران يوسف حنّوش بالربّ في القاهرة – مصر، بعد أن أدّى رسالته الكهنوتية والأسقفية كاملةً، منتقلاً إلى بيت الآب ليسلّم بين يدي الربّ الوزنة التي أودعه إيّاها مضاعفةً، وينضمَّ إلى طغمة الأحبار الأنقياء في مجد السماء، ويشفع، بملء الكهنوت إلى الأبد، بالكنيسة والأبرشية والعائلة. وها هو ينعم مع الرب يسوع الذي دعاه إليه عشية موته الفدائي على الصليب، ليقوم معه عن يمينه في ملكوته السماوي، وينال الطوبى التي وعد بها الرب الرعاةَ الصالحين والوكلاء الأمناء: "نعمّاً يا عبداً صالحاً وأميناً، وُجِدتَ في القليل أميناً، وها أنا أقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح سيّدك" (متّى 25: 23). فليكن ذكره مؤبّداً.

    "المسيح قام حقاً قام".

 

 

    اغناطيوس يوسف الثالث يونان 

    بطريرك السريان الأنطاكي 

 

 

إضغط للطباعة