الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا في قداس الذكرى السنوية السابعة لمذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد

 

    ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها سيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنائب البطريركي على البصرة والخليج العربي وأمين سرّ السينودس المقدس، خلال القداس الذي أقامه سيادته بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لمذبحة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، مساء يوم الثلاثاء 31/10/2017:

صاحبَ الغبطةِ مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العالم الكلي الطوبى

سيادةَ نائبِ رئيسِ الجمهوريةِ العراقيةِ الدكتور أياد علاوي المحترم

صاحبَ السيادةِ المطران البرتو اورتيكا السفير البابوي في العراق السامي الاحترام

صاحبَ السيادةِ المطران سويريوس حاوا الجزيل الاحترام

صاحبَ السيادةِ المطران جان سليمان الجزيل الاحترام

صاحبَ السيادةِ المطران شليمون وردوني السامي الاحترام

صاحبَ السيادةِ المطران باسيليوس يلدو السامي الاحترام

الدكتورة آن نافع وزيرة العمل والإسكان الجزيلة الاحترام

السيد يونادم كنا عضو البرلمان العراقي الجزيل الاحترام

السيد رعد جليل رئيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية المحترم

أسماء العسكريين .......

إخوتي الكهنة والرهبان الأفاضل .. الأخوات الراهبات والمكرّسات

أعزائي الشمامسة والشباب والشابات، أيُّها الحضورُ الكريم،

    نجتمعُ اليومَ لنُحيِيَ الذكرى السنويةَ السابعةَ للمجزرةِ النكراءِ التي نفّذَتْها كما تعرفونَ فئةٌ ضالّةٌ، عصابةٌ مِنَ الارهابيينَ، اقتحمَتْ هذه الكنيسةَ أثناءَ القداسِ الالهي مساءَ يومِ الأحد 31/10/2010.

    في تلكَ المذبحةِ الرهيبةِ، أحبائي، فقدَتْ كنيسةُ العراقِ بأسرِها نخبةً خيّرةً من أبنائِها المؤمنينَ البررةِ، سبعةٌ وأربعونَ شهيداً من رجالٍ ونساءٍ وشبابٍ وشابّاتٍ وأطفالٍ، ومعهم كاهنانِ ورعانِ، الأب ثائر عبدال والأب وسيم القس بطرس، كانوا يُقيمونَ الذبيحةَ الإلهيةَ ويشتركونَ فيها، رافعينَ الصلواتِ من أجلِ السلامِ والتآخي والمصالحةِ بينَ الطوائفِ والكُتلِ السياسيةِ وجميعِ المكوّناتِ التي تؤلّفُ وطنَنا الجريحَ العراق.

    روَتْ دماءُ شهدائِنا صحنَ هذه الكاتدرائيةِ، فتعمّدَت بدمائِهم الزكيةِ الطاهرةِ، لأنَّهم كانوا مثلَ الأغنامِ المعدّةِ للذبحِ، كما سبقَ وأنبأَ داودُ النبي في سفرِ المزامير: "لأنّنا من أجلِكَ نُماتُ اليومَ كلَّه، وقد حُسِبْنا مثلَ غنمٍ للذبح" (مز 44: 22)، فأضحَت دماؤُهم المسفوكةُ بذاراً للإيمانِ والحياة.

أيُّها المؤمنونَ:

    إنّنا فيما نستذكرُ تلك الفاجعةَ المرعبةَ باستشهادِ الأبوينِ ثائر ووسيم ورفاقِهم المؤمنينَ في الذكرى السنويةِ السابعةِ، لا يغيبُ عن بالِنا استشهادُ المثلّثِ الرحماتِ المطران فرج رحّو والأب رغيد كني والأب بولس اسكندر والأب يوسف عادل عبودي والشيخ منذر السقا والشمامسةِ والمؤمنينَ المسيحيينَ، أولئك الذين غسلوا ثيابَهم وبيّضوها بدمِ الحملِ ليقتادَهمُ الربُّ إلى ينابيعِ ماءٍ حيّةٍ ويمسحَ كلَّ دمعةٍ من عيونِهم (سفر الرؤيا 7: 14 – 17).

    كنيستُنا السريانيةُ (سيّدةُ النجاةِ) ستبقى للتاريخِ شاهدةً وشهيدةً لكنيسةِ العراقِ المنكوبةِ والتي تعاني اليومَ وتعيشُ مأساةً حقيقيةً لم يشهدْ تاريخُ العراقِ المعاصرِ مثيلاً لها، مجزرةُ سيّدةِ النجاةِ التي أضحَت مذبحةً بل ملحمةً كانت بدايةَ استهدافٍ مباشرٍ للوجودِ المسيحي في أرضِنا ووطنِنا. فقد قدّمَ شهداءُ سيّدةِ النجاةِ ملحمةً أسطوريةً، ضحُّوا بأنفسِهم وأطفالِهم في سبيلِ الثباتِ في إيمانِهم المسيحي. أصبحَت دماؤُهم سراجاً ينيرُ لنا طريقَ التجذُّرِ والصمودِ في وطنِنا العراق، أرضِ الآباءِ والأجدادِ، حيثُ نحنُ مواطنونَ أصلاءٌ ومتأصّلونَ بل مؤسِّسونَ لهذا الوطنِ الحبيبِ وحضارتِه العريقةِ في المجدِ والموغِلةِ في القِدَم.

أعزائي...

    لم تكتَفِ يدُ الغدرِ بإحراقِ كنيسةِ سيّدةِ النجاةِ وقتلِ أبنائِها وبناتِها، لكن امتدَّ العنفُ والإرهابُ ليشمُلَ سهلَ نينوى بكاملِه عندما اجتاحَ إرهابيو داعش مدينةَ الموصلِ وقرانا ومدنِنا، فدخلَ الإرهابيونَ وعاثوا فساداً، فأحرقوا ودنّسوا كنائسَنا، ودمّروا بيوتَنا، ونهبوا ممتلكاتِ شعبِنا، وشرّدوا وهجّروا أبناءَنا وبناتِنا، فهاموا على وجوهِهِم في أنحاءٍ شتّى في العالم.

    عندما ندخلُ اليومَ كنيسةَ الطاهرةِ الكبرى في قره قوش، مفخرةُ السريانِ بلِ المسيحيينَ في العراقِ وفي الشرقِ برُمّتِه، وقد أُحرِقَت وشُوِّهَت معالمُها، واسودَّت جُدرانُها، لا يسعُنا إلا أن نسمعَها تنادِينا بكلماتِ سفرِ نشيدِ الأناشيدِ في الكتابِ المقدّسِ: "أنا سوداءٌ ولكنّي جميلةٌ". نعم ستبقى كنيسةُ الطاهرةِ الكبرى جميلةً ومفخرةً لأبنائِها السريانِ والمسيحيينَ وسائرِ العراقيينَ الأصلاءِ، فهي رمزُنا وعلامةُ إيمانِ آبائِنا وأجدادِنا الذين أقاموها وبنُوها بسواعدِهم وعرقِ جبينِهم ومن أموالِهم الخاصةِ. نعم، أُذْلِلْنَا واستُهِينَ بنا، لكنَّ إيمانَنا سيبقى صامداً متأصّلاً في الأملِ والرجاءِ، وشامخاً شموخَ وطنِنا العراقِ مهما عَتَت به عواصفُ العنفِ والفسادِ والفوضى والحرب. وستظلُّ راياتُ الحياةِ خفّاقةً فوقَ وطنِنا العراقِ، مستمدّةً الأيَدَ والمؤازرةَ من دماءِ شهدائِنا الأبطالِ ومن محبّتِنا وتآلُفِنا ووحدتِنا للنهوضِ ببلدِنا إلى مراقي التطوّرِ والإزدهار.

    لا يمكنُ لإيمانِنا أن يكونَ عابراً ولا بسيطاً، فإذا ما صمَّمْنا على إعادةِ الحياةِ إلى ديارِنا وبلداتِنا، لا يستطيعُ أحدٌ أن يقتلعَنا من جذورِنا ويزيلَ تواجدَنا في أرضِ الآباءِ والأجدادِ العراق بلدِنا. ووفاءً منّا لدماءِ شهدائِنا وتضحياتِهم في بغدادِ والموصلِ وقره قوش وقرى وبلداتِ سهلِ نينوى وباقي مدنِ العراقِ، سنبقى فيه لنتابعَ مسيرةَ وشهادةَ آبائِنا وأجدادِنا الإيمانيةَ، موقنينَ أنّ المسيحَ معنا ويريدُنا أن نبقى هنا للشهادةِ لإيمانِنا وأصالتِنا.

    لا تحزنوا أحبّائي... لا تكتئِبوا وتقطعوا الرجاءَ... نأملُ بغدٍ أفضلَ يحملُ لنا الإيمانَ والرجاءَ بمستقبلٍ أكثرَ أماناً واستقراراً. عيشوا الرجاءَ والفرحَ في قلوبِكم... كلُّ دمارٍ يُعادُ ترميمُه بالمال... لكن اشكروا الربَّ أنكم سَلِمْتُم مع عائلاتِكم من بطشِ أولئكَ الإرهابيينَ الجبناءِ وغضبِهم وقتلِهم.

أيُّها الأحبّاء:

    اليومَ تحرّرَت قرانا ومدنُنا في سهلِ نينوى، لكنّنا فوجِئْنا حينَ وجدنا أنّ سهلَ نينوى قد تجزّأَ وأصبحَ القسمُ الشماليُّ منه تحتَ سيطرةِ قوّاتِ البشمركة التابعةِ لحكومةِ الإقليمِ، والقسمُ الجنوبيُّ منه تحتَ سيطرةِ قوّاتِ الحشدِ الشعبي التابعةِ للحكومةِ المركزية.

    وإنّنا إذ نُعربُ عن قلقِنا من الأنباءِ التي تَرِدُنا عن وقوعِ أعمالِ عنفٍ واشتباكاتٍ بينَ القوّاتِ العراقيةِ والبشمركة، ندعو الجميعَ إلى التهدئةِ والحوارِ لتطبيقِ القانونِ والإحتكامِ إلى الدستورِ لعودةِ الإستقرارِ الذي يُسهِمُ في ترسيخِ التعايشِ السلميِّ بينَ جميعِ المكوّناتِ في العراقِ، ليعودَ النازحونَ مطمئنّينَ إلى ديارِهم...

    كما نثمّنُ التلاحمَ والتنسيقَ القائمَ بينَ القوّاتِ المسلّحةِ من الجيشِ العراقيِّ والقوّاتِ الأمنيةِ والشرطةِ الإتّحاديةِ وقوّاتِ البشمركة والحشدِ الشعبيِّ والعشائريِّ وكلِّ القوّاتِ المسلّحة. وكذلك نكرّمُ ونُجِلُّ كلَّ قطرةِ دمٍ زكيٍّ سُفِكَت وتُسفَكُ من أجلِ تحريرِ أرضِنا الطاهرة.

 

أحبائي:

    استعادةُ الموصلِ وتحريرُ قرى وبلداتِ سهلِ نينوى وخروجُ إرهابيي داعش مدعاةُ فخرِ كلِّ العراقيينَ، فينبغي للعمليةِ العسكريةِ التي نجحَت في توحيدِ العراقيينَ والتنسيقِ العالي والنوعي بينَهم ضدَّ داعش، أن تدفعَ بقوّةٍ نحوَ المصالحةِ الوطنيةِ الصادقةِ والإلتفافِ حولَ نقاطِ الإلتقاءِ المشتركةِ وتحقيقِ الإستقرارِ وعدمِ الإنجرارِ وراءَ تجييرِ المفاهيمِ على أساسِ المصلحةِ واقتسامِ الغنائم.

    ندعوكُم أيُّها الأحبّاءُ إلى التلاحمِ والتضامنِ والتكاتفِ لتكونوا يداً واحدةً ورأياً واحداً. تتصرّفونَ، لا بروحِ المنافسةِ والغيرةِ، بل بروحِ التعاونِ والعملِ المشتركِ، لبناءِ ما دمّرَهُ الأشرارُ، وإعادةِ الحياةِ إلى مجراها الطبيعي، بغيةَ الإسراعِ في العودةِ إلى مناطقِكم سالمينَ آمنين.

    أشكرُكم جميعاً على مشاركتِكم معنا، وفي مقدّمةِ الجميعِ لا بدَّ لي أن أشكرَ غبطةَ أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي ورئيسَ الكنيسةِ السريانيةِ الكاثوليكيةِ في العالمِ، الذي وجّهَ إلينا كلماتِه الأبويةَ الرقيقةَ بهذه المناسبةِ، هو الذي لا يألُو جهداً لإعلاءِ الصوتِ في سبيلِ نُصرةِ قضايا أبناءِ شعبِنا وأوطانِنا في الشرق، سيّما عراقُنا الحبيب، وهو يشاركُنا الصلاةَ بالروحِ، متضامناً معنا، ومستذكِراً بإكرامٍ شهداءَنا الأبطالَ البررة.

    وكذلك أشكرُ غبطةَ أبينا البطريرك لويس روفائيل ساكو، والأساقفةَ والكهنةَ والمسؤولينَ المدنيينَ والعسكريينَ الحاضرينَ شخصياً أو بواسطةِ ممثّلِيهِم.

    أشكرُ الشمامسةَ وأعضاءَ المجلسِ الرعوي لكنيسةِ سيّدةِ النجاةِ، وجوقاتِ كنيستِنا، بالإشتراكِ معَ كنيسةِ مار بطرس وبولس السريانيةِ الأرثوذكسيةِ الشقيقةِ، الذين رتّبوا ونظّموا أمسيةَ تراتيلٍ وتأمّلاتٍ رائعةٍ أبهجَت أرواحَنا وأثلجَت صدورَنا وأنعشَت قلوبَنا، برعايةِ كاهنِ هذه الكنيسةِ الأب بولس زرا، ومعاونِه في الخدمةِ الشمّاس منذر دردر، والأب نويران الدومنيكي، والراهباتِ، وأسرةِ دارِ بيت عنيا، والشبابِ والشابّاتِ، وكلِّ من تعبَ معهم في التحضيرِ لهذه المناسبةِ الروحيةِ المباركة. تغمّدَ الربُّ برحمتِه وحنانِه أرواحَ شهدائِنا الأبرارِ، الأب ثائر والأب وسيم ورفاقُهم السبعةُ والأربعونَ، وأسكنَهُم دارَ الخلودِ والنعيمَ الأبدي، آمين.

    وبهذهِ المناسبةِ نسألُ اللهَ أن يؤهِّلَنا جميعاً كي نُكملَ العملَ لنرفعَ شهداءَنا الأبطالَ على مذابحِ الكنيسةِ طوباويينَ ثمَّ قديسينَ نتشفَّعُ بهم وننالُ بصلواتِهم وشفاعتِهم فيضَ النِّعَمِ والبركاتِ السماويةِ، ونحنُ بصددِ إعدادِ الملفِّ الكاملِ لرفعِه إلى مجمعِ دعاوى القديسينَ، كي يصارَ إلى الطلبِ من قداسةِ أبينا البابا فرنسيس إعلانَ شهدائِنا الأبرارِ طوباويينَ في الكنيسةِ السريانيةِ الكاثوليكيةِ، ثمَّ قدّيسينَ في الكنيسةِ الجامعةِ، غيرَ ناسينَ ما بذلَه ويبذلُه قداستُه في السعيِ الدؤوبِ لإحلالِ السلامِ والأمانِ في الشرقِ والعالم.

    المجدُ والخلودُ لشهداءِ العراق... عاشَ العراقُ حرّاً مستقلاً، لكلِّ طوائفِه وقوميّاتِه ومكوّناتِه. ليباركْكُمُ الثالوثُ الأقدسُ، الآبُ والإبنُ والروحُ القدس، الإلهُ الواحدُ، ولْيَحفظْكُم جميعاً بشفاعةِ أمِّنا مريمَ العذراءِ والدةِ الإلهِ سيّدةِ النجاة، آمين.

 

إضغط للطباعة