الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لكلمة غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في افتتاح اجتماع السينودس السنوي في روما

 
 

    يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي الكلي الطوبى، في افتتاح الإجتماع السنوي لسينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، الذي عُقد في مقرّ الوكالة البطريركية السريانية في روما، وذلك في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الإثنين 8 كانون الأوّل 2014:

الإخوة الأجلاء أصحاب السيادة آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الجزيلي الإحترام،

حضرات الخوارنة، والآباء الكهنة الأفاضل

ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ،ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ

    نرحّب بكم جميعاً أجمل ترحيب، ونودّ أن نخصّ بالترحيب، حضرة الخوراسقف فيليب بركات الموقّر، بصفته المدبّر البطريركي لأبرشية حمص وحماه والنبك، والذي يشاركنا في الأعمال السينودسية لأوّل مرّة، بعد نياحة أخينا المثلّث الرحمات المطران مار ثيوفيلوس جورج كسّاب، الذي نرفع الصلاة والدعاء راحةً لنفسه، سائلين له ميراث ملكوت السماء مع الرعاة الصالحين والوكلاء الأمناء.

    نشكركم لتلبيتكم دعوتنا للمشاركة في أعمال سينودسنا العادي السنوي هذا، للتعرّف على أحوال كنيستنا، وتدارُس الإختيارات والقرارات التي نصل اليها، مبرهنين عن استعدادنا لتحمُّل أعباء مسؤولياتنا  لخدمة هذه الكنيسة المبتلاة حديثاً بمصائب وأهوال لا مثيل لها، وذلك بروحٍ من التضامن والإتّحاد، حسب قلب المعلّم الإلهي راعينا ومثالنا.

    كنّا في السنوات الماضية نسعى بقوّة الروح القدّوس إلى استكشاف دعوتنا وخدمتنا، في كلٍّ من الحقول الروحية والراعوية والإجتماعية. كما أنّه لا بدّ لنا أن نعترف بمحدوديتنا ونحن نسعى لخدمة أبرشياتنا ورعايانا بأمانة، إذ لم تأتِ الإنجازات دوماً حسب ما كنّا ننويه أو نطمح له. وهذا ما يحثّنا كي نتابع المسعى، متجاوبين مع النعمة الإلهية التي تملأ نقائصنا، ومتّكلين على الرب الذي يذكّرنا من خلال ضعفنا ونقائصنا أنه "بدوني لستم تستطيعون أن تفعلوا شيئاً!".

    في زمن المحن التي ألمّت بكنيستنا السريانية، لا سيّما في العراق منذ أكثر من عقدين، وفي سوريا منذ أربعة أعوام، يجدر بنا أن نستلهم نفحةً من الرجاء والعزاء خصّ بها بولس رسول الأمم، أهل كورنثس، مشجّعاً إيّاهم في شدائدهم: "تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، أبو المراحم وإله كلّ تعزية، الذي يعزّينا في ضيقتنا، كي نستطيع أن نعزّي مَن هم في كلّ ضيقة، بالتعزية التي نتعزّى نحن بها من الله. لأنّه كما تكثر آلامُ المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتُنا أيضاً" (2 كور 1: 3ـ5). ونحن على ثقة بأنّ الله "يوجِد من المحنة خلاصاً"، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للإنطلاق في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء ولا تنال منه الشدائد.

    ليس بوسعنا بعد أن نتغافل عن هول ما أصابنا من نكبات هدّدت وجودنا في أرضالأجداد، وفي كنيسة أنطاكية التي شاءت العناية الإلهية أن تكون كنيسةً شاهدةً وشهيدةً منذ قديم الأزمان، ليس لأنّنا نريد أن نتميّز عن غيرنا من الكنائس، ولكن لأنّ النكبة التي حلّت بأبرشية الموصل وتوابعها منذ ستّة اشهر، هي حدثٌ مخيفٌ بل مروِّعٌ إلى أقصى حدّ. حدثٌ ما عرفته كنيسة مشرقية منذ مئة عام، إذ يذكّرنا بنكبة "السوقيات". في أيّام بل ساعات، تمّ اقتلاع عشرات الآلاف من المؤمنين مع مطرانهم وإكليروسهم والعديد من الراهبات والمكرَّسين، من بيوتهم ورعاياهم. وإذا أجرينا إحصاءاتٍ موضوعيةً، نستطيع القول بأنّ أكثر من ثلث طائفتنا الموجودة في المشرق قد تشرّد، ولا أحد يعلم سوى الله، متى يعود هؤلاء المهجَّرون قسراً، إن هم عادوا..!

    ماذا نقول عن مآسي القتل والخطف والتشريد التي عرفتها سوريا منذ ما يقرب من أربعة أعوام؟ وهل هناك من يجهل أو يتجاهل النتائج الوخيمة لتلك الصراعات الدامية، من دمارٍ مرعبٍ لبنى هذا البلد، ومن قتل مئات الألوف ونزوح الملايين؟ وكما في بلاد الرافدين، مَن له المصداقية، داخل الوطن وخارجه، كي يطمئن شعب سوريا، بما فيه أهلنا، أنّ السلام سيعود يوماً، سلام المصالحة الحقيقية وقبول الآخر، فتزول الأحقاد، وتُدفن الضغائن، ويعود المواطنون للتآلف والتآخي بروح المواطنة الحقّة؟!، ويُطلَق سراح المخطوفين، وفي مقدّمتهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة!.

    نقولها وقلوبنا مدماة، وكما حصل بُعيد نكبة ما تعارفْنا على تسميته "السوقيات"، سنواتٌ معدودةٌ تمرّ، ثم ندركُ هول ما جرى لنا من تشريدٍ لأبنائنا وبناتنا في أقطار المسكونة الأربعة! أي إنّها خسارةٌ وللأسف الشديد لن تعوَّض، لأنّنا عارفون بنتائج الهجرة إلى ما وراء البحار!.

    ما هو موقفنا من هذه النكبات والمآسي التي حلّت بنا؟ من الواجب أن نقتنع ونقنع الآخرين بأنّنا لسنا من الذين يلجأون إلى النوح والتباكي كما قد يتّهمنا البعض! ولن نكون أبداً من الذين يسوّقون التشاؤم، بل من واجبنا أن نستطلع "علامات الأزمنة"، ونكتشف تدبير العناية الإلهية في زمن الضيق، كي نحوّله الى زمن النعمة.

    ولا يفوتنا أن نحيّي لبنان، موئل الحضارات والحريات، وندعو لهذا البلد الغالي بالإستقرار والإزدهار، وبتفعيل المحبّة والألفة والتضامن بين مختلف مكوّناته، ليبقى نبراساً حضارياً لبلدان الشرق. ونأسف بشدّة لتهاوُن المسؤولين بمقدّراته، واستخفاف ذوي الشأن بدستوره وقوانينه بإحجامهم عن انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، وهو رمز وحدة الوطن وحامي أبنائه، وندعوهم إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية أمام الله والشعب والتاريخ.

    كما لا يسعنا إلا أن نشدّ على أيدي الجيش اللبناني وجميع القوى الأمنية، قياداتٍ وأفراد، مثمّنين التضحيات الجسام التي يبذلونها. وإذ نترحّم على أرواح الشهداء، ندعو بشدّة إلى العمل الحثيث لتحرير المخطوفين بالسرعة الممكنة، ليعاودوا عملهم المتفاني في حماية الوطن وأهله.

    ولا ننسى أن نتوجّه بقلبنا ونظرنا إلى أبنائنا وبناتنا في مصر والأردن والأراضي المقدّسة وتركيا، كما في بلاد الإنتشار حيثما وُجِد السريان، من أوروبا إلى الأميركتين وأستراليا، شاكرين الله الذي يحفط مؤمنيه والمتّكلين عليه في كلّ مكان وكلّ حين، ومؤكّدين استعدادنا لبذل كلّ الجهود في سبيل خدمتهم الروحية.

 

    سنناقش في سينودسنا هذا موضوع الخدمة الكهنوتية: طبيعتها، روحانيتها، الجهد الراعوي، والناحية الإدارية، والعلاقة بين المطران وكهنته، ودور العلمانيين في حياة الكنيسة.

    وكما هو محدَّدٌ في جدول أعمال السينودس، سنستمع إلى تقارير تتناول شؤون أبرشياتنا وإرسالياتنا في الشرق وعالم الإنتشار، وسواها من المواضيع التي سيطرحها آباء السينودس.

    كما سندرس موضوع تشكيل لجنة سينودسية من مختلف بلداننا للإشراف على إحياء السنة اليوبيلية المئوية الأولى للمجازر التي ارتُكبت بحق شعبنا السرياني في القرن الماضي، لتكون الذكرى للعبرة ولإكرام هؤلاء الشهداء الذين قدّموا ذواتهم ذبائح محرقة للدفاع عن إيمانهم المسيحي القويم.

    وسنقوم بتكليف لجنة سينودسية تُعنى بالإتصال بالكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، لتفعيل التقارب وتمتين أواصر العلاقة الأخوية بين الكنيستين، بالتنسيق مع قداسة أخينا البطريرك أفرام الثاني، تأكيداً على أنّنا بحق كنيسة واحدة وشعب واحد موحَّد بالتقليد والتراث وباللغة السريانية المقدّسة. وإنّ الأمل يغمرنا بغدٍ مشرقٍ تسرّع فيه كنيستانا الخطى وصولاً إلى الوحدة الكاملة المنشودة بينهما، وهي أمنية إكليروس الكنيستين والمكرَّسين والمؤمنين فيهما.

    ولا ننسى أن نوجز أبرز الأعمال والنشاطات التي قام بها كرسينا البطريركي منذ انتهاء السينودس السنوي الماضي في تشرين الأوّل من العام المنصرم حتّى اليوم، ولعلّ من أبرزها وأهمّها:

    المشاركة في أعمال الجمعية العامّة لسينودس الأساقفة حول العائلة، في الفاتيكان.

    المشاركة في إعلان تقديس البابوين يوحنّا الثالث والعشرين ويوحنّا بولس الثاني، وإعلان تطويب البابا بولس السادس في الفاتيكان، وفي زيارات قداسة البابا فرنسيس للأراضي المقدّسة والأردن وتركيا.

    المشاركة في مراسم جنازة المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس زكّا الأوّل عيواص، وتولية قداسة بطريرك السريان الأرثوذكس الجديد مار اغناطيوس أفرام الثاني، في دمشق ولبنان.

    تكريس وتدشين أوّل كنيسة سريانية كاثوليكية في أوروبا تعود ملكيتها لبطريركيتنا السريانية، في مدينة أرنهايم ـ هولندا.

    القيام بالزيارة البطريركية الرسمية الأولى إلى روسيا، حيث زرنا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

    زيارات أبوية راعوية ورسمية إلى أبناء كنيستنا وبناتها في العراق وحمص، والوكالة البطريركية في روما، وفرنسا، وهولندا، وألمانيا، والولايات المتّحدة الأميركية، وكندا، واسطنبول. وفي هذه الزيارات كلّها، تفقّدنا شؤون الأبرشيات والإرساليات السريانية، فشجّعنا الكهنة في خدمتهم، وثبّتنا المؤمنين، مستمعين إلى همومهم ومطّلعين على حاجاتهم، وقمنا بزيارات إلى بعض المسؤولين الرسميين، وفي طليعتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، وملك الأردن عبدالله بن الحسين، وعدد من الوزراء والنواب، ومن أبرزهم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وإلى عدد من الإخوة الأساقفة رعاة الكنائس الشقيقة.

    ألقينا كلماتٍ ومحاضراتٍ عن الحضور المسيحي في الشرق، أمام مجلس رؤساء المؤتمرات الأسقفية الأوروبية المنعقد في براتيسلافا ـ سلوفاكيا، وأمام البرلمان الإيطالي في روما، وفي مقرّ المنظّمة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف ـ سويسرا، بدعوة من السفارة البابوية لدى المجلس، وفي سالزبورغ ولينز ـ النمسا، بدعوة من منظّمة برو أورينتي، وفي مؤتمر لمركز الملك عبدالله الدولي لحوار الحضارات والأديان في فيينا ـ النمسا، وشاركنا في صلوات ولقاءات في باريس وانجيه وفي مؤتمر عن حضور المسيحيين في الشرق والدفاع عن الحريات الدينية بمدينة لا روش سير يون بفرنسا.

    قمنا برسامة كاهنين جديدين لكنيستنا السريانية خلال شهر تشرين الثاني الماضي، أحدهما أمين السرّ في البطريركية، والآخر كاهن لكنيستنا في اسطنبول

    تابعنا الإعداد لمشروع مار يوسف السكني في الفنار ـ لبنان، والذي يجري فيه العمل على قدم وساق للشروع ببناء مئةٍ وأربع وأربعين شقّة سكنية لشبابنا.

    وها نحن نستعدّ للقيام بزيارة الأعتاب المقدّسة التي سنتوّجها بلقاء قداسة البابا فرنسيس يوم الجمعة القادم بإذنه تعالى، بمشاركة وفودٍ من أبناء كنيستنا السريانية في مختلف بلدان العالم. كما سيقوم آباء السينودس بزيارة عدد من المجالس الحبرية في الفاتيكان: اتحاد المسيحيين، وحوار الأديان، ودعاوى القدّيسين، ومجمع الكنائس الشرقية، وكور أونوم.

    أيّها الإخوة الأجلاء:

    صرخات مرنّم سفر المزامير قد تنطبق على واقعنا اليوم حينما نصرخ في ضيقاتنا:    

"لأنّنا من أجلك نُمات اليوم كلّه. قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح...لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلّتنا وضيقنا... استيقظ يا ربّ، لماذا تنام؟ أعناّ" (مز 44: 23، 26).

    تماماً كما أيقظ التلاميذُ الربَّ في السفينة، صارخين: "يا ربّ نجِّنا، إنّنا نهلك" (مت 8: 25).

    قد نكون من الذين فقدوا الرجاء، فلا نرى أملاً بعودة أهلنا إلى منازلهم وقراهم، إلى كنائسهم ورعاياهم! فهل ندعوهم كي يرحلوا..!؟

    وقد نكون من الذين يشدّدون على التجذُّر في الأرض... فهل نوبّخ الذين يطلبون الهجرة؟

    وقد نكون بين القائلين، كما اعتدنا أن نسمع: نحترم قرار العائلات المنكوبة في الهجرة أو البقاء!

     أيّها الربّ القدير الضابط الكلّ، أبو المراحم وإله كلّ تعزية، لقد اجتمعنا اليوم لنصلّي ونلقي بين يديك همومنا وآلامنا ومعاناتنا. أتينا لكي نستلهم منك النعمة والقوّة لتحمُّل هذه الهموم والآلام والمعاناة. إنّنا اليوم نجدّد ثقتنا بتدبيرك الإلهي، ونقبل أحكامك غير المدركة في مسيرة حياتنا وعائلاتنا ووطننا. ونضرع إليك بجاه حنانك الأبوي على خليقتك، أن تشفق علينا وأن تحمي أهلنا ومعارفنا وجميع الذين عانوا أنواع الظلم والتشرّد وظلّوا صامدين في العراق وفي سوريا، رغم تعرُّضهم لأنواع العنف والبغض والجوع والفاقة، والتهجير والعزلة المخيفة. لا تسمح، يا ربّ، أن نشكّ بقدرتك على قهر الشرور المحيطة بنا وبأوطاننا. ثبّتنا بالإيمان، وأنعش في قلوبنا نعمة الرجاء، وألهمنا لنعيش المحبّة التي تدعونا اليها في كلّ وقت، حتى نراك في الغريب، والمحتاج والمظلوم. أنتَ كنز المراحم، وإليك نرفع صلاتنا بشفاعة السيّدة العذراء المحبول بها بلا دنس الخطيئة الأصلية، سيّدة النجاة، أمّ الرحمة، ومعزّية الحزانى، ومعونتنا وحاميتنا جميعاً، وجميع القدّيسين والشهداء، آمين.

 

إضغط للطباعة