الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
موعظة غبطة أبينا البطريرك في الصلاة الافتتاحية لأسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس في لبنان

 
 
   

    يسرّنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، خلال رتبة الصلاة الافتتاحية التي ترأسها غبطته في كاتدرائية سيدة البشارة للسريان الكاثوليك في بيروت ـ المتحف، مساء يوم الاحد 20 كانون الثاني 2013:

 

"وكانت جماعة المؤمنين قلباً واحداً ونفساً واحدة" (أعمال الرسل 4: 32)

 

    أخويّ صاحبي القداسة والغبطة آرام الأول ونرسيس بيدروس التاسع عشر

    الإخوة أصحاب النيافة والسيادة رؤساء الكنائس في لبنان وممثّليهم

    الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة

    أيها الأبناء والبنات الأحباء

    نجتمع اليوم معاً في هذه الكاتدرائية المُشادة على اسم والدة الإله القديسة مريم سيدة البشارة، لنفتتح أسبوع الصلاة من أجل وحدة كنائس المسيح. بحسب العادة السنوية، تخصّص الكنائس المسيحية في العالم، كلّ عام، أسبوعاً للصلاة سعياً لتحقيق الوحدة المنظورة فيما بينها، في الفترة الممتدّة من 18 حتى 25 كانون الثاني، وذلك إتماماً لوصية الرب يسوع في صلاته إلى الآب السماوي عشية إقباله على الصلب والموت فداءً للجنس البشري، إذ قال: "ليكونوا بأجمعهم واحداً كما نحن واحد" (يوحنا 17: 22).

    في هذا المساء المبارك، يسرّنا أن نرحّب بكم جميعاً، باسم كنيستنا السريانية الكاثوليكية، وباسم اللجنة المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، فنتشارك جميعاً صلاة الافتتاح لهذا الأسبوع، على مثال الكنيسة الأولى التي كان أعضاؤها يجتمعون معاً ويصلّون سويةً بقلبٍ واحدٍ وروحٍ واحدة.

    أجل، إنّ الصلاة تفوق بقوتها الجبال وزناً، وهي قادرة على تغيير مجرى حياة المؤمن إن مارسها بإيمانٍ ثابتٍ ويقينٍ راسخٍ بأنّ الرب الإله هو أمين وصادق في وعوده، ويستجيب محبّيه الذين يتّكلون عليه ويسلّمونه حياتهم. فإنّ صلاة المؤمن مقتدرةٌ كثيراً في فعلها، كما يؤكّد القديس يعقوب في رسالته (يعقوب 5: 16). 

    سمعنا الإنجيل المقدس بحسب القديس يوحنا، وفيه يستودع الرب يسوع تلاميذه وصيةً جديدة، بل قمّة الوصايا، وعربون التلمذة الحقيقية له، والأساس الراسخ الذي به ينطلق المؤمن في سعيٍ جادٍّ وحثيث نحو القداسة التي إليها يدعونا الرب. هذه الوصية هي المحبة، المحبة التي تُبنى على الإيمان، وتتوطّد بالعمل الصالح، النابع من قلب الإنسان المثمثّل بالله الذي هو المحبة الكاملة الفائضة بالحب على الجميع، الحب الذي قاد الآب إلى التضحية بابنه الوحيد، باذلاً ذاته على خشبة الآلام والصلب والموت في سبيل أحبائه.

    "سمّيتكم أحبّائي" (يوحنا 15: 15)، يحثّنا الرب على عيش المحبة وتجسيدها بين بعضنا البعض بروح الأخوّة الصادقة، والفرح الروحي الدائم التامّ. فبفضل الحريّة التي تمنحنا إيّاها المحبّة، نقدر أن نختار أصدقاءنا وأن يختارنا الآخرون كأصدقاءٍ وأحبّاء لهم. "لم تختاروني أنتم، بل أنا اخترتكم" (يوحنا 15: 16)، يقول يسوع لكلٍّ منّا. تسمو علاقتنا بيسوع ومحبتنا له بمقدار سموّ علاقات المحبة والتعاضد مع عائلاتنا ومجتمعنا، وهي تخبرنا عن محبّة الله العميقة والتي لا تنضب لجميعنا.

    أيها الأحباء

    إنّ الوحدة أمرٌ ضروري وأساسي لأداء الشهادة الحقيقية للرب. صحيحٌ أننا لم نبلغ الوحدة المنظورة حتى الآن، إلا أننا قطعنا أشواطاً طويلة من اللقاء والحوار والتقارب الليتورجي والروحي واللاهوتي، وأكّدنا إيماننا المشترك بالثالوث الأقدس وعبادتنا لله بالروح والحق. ولكن تبقى أمورٌ عديدة بحاجة إلى متابعة بالحوار المشترك، بروح الانفتاح والمحبة الأخوية.

    هوذا الآن وقت القبول الحسن، هوذا الآن يوم الخلاص" (2 كورنثوس 6: 2)، إنّ الرب يدعونا اليوم على لسان مار بولس رسول الأمم إلى أن نعمل الآن وبدون تراخٍ أو تأخير، فنهيّئ الأطر اللازمة والطرق المؤدّية إلى الوحدة الكاملة، أمنية المسيحيين جميعاً في كل أنحاء العالم. هذه الوحدة مطلوبة الآن بإلحاح وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، سيّما في ظلّ ما يعيشه العالم من تقلّبات وتغيّرات، بسبب مرض اللامبالاة الدينية وتفشّي الإلحاد أو التطرّف الديني الخطير، لا بل معاداة بشرى الإنجيل التي تسعى الكنيسة أن تقدّمها لمن يجهلها وهو متعطّشٌ إليها. لذا وجب علينا أن نستلهم نعمةً وحكمةً وتنوُّراً من لدن الله تعالى، كي نتفهّم المتغيّرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عالمنا اليوم، ونكون رسلاً حقيقيين نشهد لبشرى الخلاص شهادةً حيّةً واحدة موحّدة، كي يرى جميع الناس أعمالنا الصالحة ويمجّدوا الآب السماوي.

    هذا ما نطلبه من الرب يسوع في هذا الأسبوع المبارك المخصّص للصلاة من أجل الوحدة، مقتدين بآبائنا الملافنة السريان الذين ابتهلوا إلى الله في صلواتهم كي يجمع أبناءه المؤمنين إلى واحد، حسبما نصلي في صلاة الفرض الأسبوعية البسيطة "الشحيمة":"ܡܫܺܝܚܳܐ ܪܰܒ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܟܰܢܶܫ ܥܳܢ̈ܳܟ ܕܰܡܒܰܕܪܳܐأيها المسيح رب الرعاة، اجمع خرافك المبدَّدة".

    ختاماً، إذ يسرّنا أن نتشارك في الصلاة، نسأل الله أن ينشر أمنه وسلامه في العالم بأسره، وبخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية، سيّما في سوريا الجريحة التي يعاني مواطنوها الصعوبات والآلام، إنه السميع المجيب، له المجد والشكر والسجود على الدوام، آمين.

 

 

إضغط للطباعة