الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لموعظة غبطة أبينا البطريرك خلال قداس تجمّع أبناء مريم في بازيليك سيدة لبنان ـ حريصا

 
 
 

       ننشر فيما يلي النص الكامل للموعظة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، خلال القداس الاحتفالي لتجمّع أبناء مريم، في تمام الساعة السادسة من مساء يوم السبت 26 أيار 2012، في بازيليك سيدة لبنان ـ حريصا:

 

        سيادة المطران كبريالي كاتشا السفير البابوي في لبنان

        أصحاب السيادة الأحبار الأجلاء

        الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة

        أيها المؤمنون المبارَكون بالرب

 

        نحتفل اليوم بهذه الذبيحة الإلهية في هذا المقام المقدس المكرّس على اسم أمّنا العذراء مريم والدة الإله، سيدة لبنان، لنصلي جميعاً بقلبٍ واحد مع "تجمّع أبناء مريم" لهذه الأم الطاهرة.

        إنها مريم، التي قبلت البشرى السارة بالاستسلام الكلي لمشيئة الله، فأنعم الله عليها أن يتجسّد الكلمة الأزلي في أحشائها، وبذلك أضحت أمّ الفداء وباب الخلاص، إذ بفعل طاعتها وتواضعها، رفعها الله إلى أسمى مقام جاعلاً إياها المطوَّبة في كل الأجيال.

        لقد جاء الخلاص إلى العالم أي الكلمة المتجسّدة مولوداً منعذراء في بيت لحم في مغارة بسيطة، وبحبَلها به وبولادته منها وبعدهما بقيتبتولاً عذراء كما كانت قبلهما، إذ قبلت عطية الروح القدس، لذلك ندعوها بحق "عروس الروح القدس"، عروساً لا عروس لها سوى الروح الذي هو الحياة. وقد وُلد الرب منها بأعجوبة، وذلك كما تنفذ أشعة الشمس من الزجاج دون أن تثلمه أو تكسره، وكما دخل الرب بعدقيامته على التلاميذ في العلية والأبواب مغلقة، وكما خرج من القبر وهو مختوم،هكذا خرج بجسم الطفل والخاتم مصان أي بتولية العذراء. وهي التي قالت عننفسها: "تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي ... لأنّ القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس". والعذراء مريم رأت هذه العظائم والعجائبالتي صنعها الرب وآمنت بها.

        وها هو مار أفرام السرياني الملفان يتغنّى بالاتحاد الكلي بين الرب يسوع ووالدته العذراء مريم طهراً ونقاوةً، فيقول:

ܐܰܢ̱ܬ ܗ̱ܘ ܡܳܪܝ̱ ܘܶܐܡܳܟ܆ ܡܶܢ ܟܽܠ ܦܐܶܐ ܐ̱ܢ̱ܬܘܢ ܛܳܒ܆ ܕܡܽܘܡܳܐ ܒܳܟ ܡܳܪܝ̱ ܠܳܐ ܐܝܬ܆ ܐܳܦܠܐ ܟܘܬܡ̈ܳܬܐ ܒܶܐܡܳܟ، وترجمته:أنت يا ربي وأمك تفوقون الكل بهاءً، فلا يوجد فيك عيبٌ ولا دنس في أمك.   

        فما أعظم العذراء مريم وما ألذّ الكلام عنها، وقد تأمّل آباء الكنيسة سيرتها ونظم الشعراء الكنسيون الملهَمون في إكرامها القصائدَ الرائعة التي لا يُحصى لها عدد، ونحتَ لها الفنانون أجمل التماثيل، وملأ الرسّامون الدنيا بصورها، وشيّد المؤمنون على اسمها أجمل الكنائس والكاتدرائيات في العالم.

        من خلال تأمّلنا بحياة العذراء مريم، نجد عشرات النبوءات قد تمّت فيها، كما أنّ الآباءرأوا في بعض شخصيات الكتاب المقدس وحوادثه رموزاً وإشاراتٍ إليها. فهي المرأة المقصودة بوعدالله للإنسان بالخلاص بقوله: "ونسل المرأة يسحق رأس الحية" (تك 3:15)، ونسلها المسيح يسوع، وهي حواءالجديدة. كما أنّ ابنها المسيح هو آدم الجديد، وإذا كان الله قد أخذ ضلعاً من جنبآدم وصنع منه حواء المرأة الأولى، ففي تجديد الخليقة وُلد الإله المتجسّد وهو آدمالثاني من العذراء التي هي حواء الثانية. وهي العذراء التي قال عنها النبي أشعيا في نبوءته الشهيرة "هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمهعمانوئيل" (أش14: 7)، "الذي تفسيره الله معنا" (مت1: 23). وهي كعصا هارون التي أزهرت وأثمرت لوزاً، والعلّيقة التي رآها موسى في الجبل وهي مشتعلة دون أن تحترق. وهي كتابوت العهد الذي احتوى اللوحين الذي كتبهما الله، وأما مريم فقد حوت خبز الحياة الحقيقي.

        وفي طقسنا السرياني الأنطاكي العريق، نتغنّى بفضائل العذراء مريم وصفاتها في صلواتنا صباحاً وظهراً ومساءً. كما رتّبت لها الكنيسة أعياداً عديدة على مدار السنة، وتنافس آباؤنا السريان في نظم الميامر والمداريش عن العذراء مريم، ومنها ما ترجمته:

        فليكن ذِكرُكِللبركة يا والدة الله العذراء، أجيبي سؤلَ البعيدين والقريبين، ومُنّي بالشفاء علىالمرضى واطلبي من ابنك أن يمدّ المتضايقين شجاعةً، واطردي الشرير عمّن يعذّبهم. فبقوةصلاتك وطلبتك تحلّ علينا المراحم، هللويا ولتعضدنا صلاتك".

        وبالإضافة إلى صفاتها الكثيرة، كوالدة الإله والدائمة البتولية والطوباوية، ندعوها في تقليدنا السرياني بـ ܡܒܰܪܰܟ̣ܬܐ المباركة.

 

        أيها الأحباء

        لقد أكّدت الكنيسة الجامعة على إكرام العذراء مريم وتبجيلها، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي في الكنيسة، وفي الفصل الثامن الذي يتكلّم عن "مريم أمّ الله في سر المسيح والكنيسة"، يؤكّد أنها "تَظهر بصورة سامية وفريدة مثالاً للبتولية والأمومة" (رقم 63)، فالبتولية هي التكرّس لمحبة الله، والأمومة هي التكرّس لمحبة القريب. ومن محبة الله تنبع محبة القريب، فمن بتولية مريم، ومن محبتها لله، تنبع أمومتها، أي محبتها لنا.

 

        أيها المبارَكون

        في هذا المساء المبارك، ليلة العنصرة وحلول الروح القدس على التلاميذ، نصلي إلى الرب الإله بشفاعة أمه مريم العذراء سلطانة السلام وسيدة لبنان، وملجأنا في الشدائد والمصاعب، نسأله بشفاعتها أن يوحّد قلوبنا في كنائسنا ورعايانا، كي نعيش بسلام مع ذواتنا، مع مجتمعنا وفيما بيننا، متجاوزين أنانيتنا وأطماعنا، ومنتصرين على شهوة التسلّط والانتقام فينا.

        ونسأل أمنا مريم أن ترمق بنظرها الوالدي شرقنا الذي يتجاوز المحن والآلام، فتساعد على المحافظة على كرامة الانسان ووحدة المواطنين بالاحترام المتبادل.

        نحن الآن في ختام هذا الشهر المريمي، حيث سيُعقد مؤتمر العائلة الدولي في ميلانو ـ إيطاليا برئاسة قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر، نصلي في هذه البازيليك المخصّصة لأمّنا مريم العذراء سيدة لبنان، نبتهل بكل حرارة وثقة متضرّعين إلى الرب كي يحميَ عائلاتنا من كل خطر ويبعدَ عنها شر التفكّك والانقسام، ويزيّنَها بفضائل المحبة والنقاء، ويجمعَ شملَ أفرادها حسب قلب أمه مريم الطاهر، الذي له نكرّس ذواتنا وعائلاتنا ورعايانا وأبرشياتِنا ووطنَنا الحبيب لبنان.

        يا سيدة لبنان... صلي لأجلنا. آمين.






 

 

إضغط للطباعة