الصفحة الرئيسية البطريركية الأبرشيات الاكليريكيات الرهبانيات الأديرة ليتورجيا
 
التراث السرياني
المجلة البطريركية
المطبوعات الكنسية
إتصل بنا
النص الكامل لكلمة غبطة أبينا البطريرك في افتتاح مؤتمر الشرفة الأول

 
 
 

    ننشر فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان خلال افتتاح مؤتمر الشرفة الأول بعنوان "الكتاب المقدس في الكنيسة السريانية"، في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس 24 أيار 2012، في كنيسة إكليريكية دير سيدة النجاة ـ الشرفة البطريركية ـ درعون ـ حريصا:

 

    ܒܪܝܟ ܪܡܫܐ مساء الخير

    أصحاب النيافة والسيادة الأحبار الأجلاء

    الآباء العامين والأمهات العامات رؤساء ورئيسات الرهبانيات

    الآباء الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة الإكليريكيين

    أيها الحضور الكريم

    نجتمع معاً اليوم في هذا المكان التاريخي المقدس، دير سيدة النجاة ـ الشرفة، الذي ينبض بتاريخ كنيستنا السريانية، ويعبق بشذى عطر آبائها من بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة.

    نلتقي في مؤتمرٍ هو الأول من نوعه في هذا الدير، هذا النشاط الرائد جاء تجاوباً مع إعلان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر هذه السنة "سنة الكتاب المقدس".

    من هنا، دعا مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان إلى عقد المؤتمرات والحلقات الدراسية في الرعايا والأبرشيات والأديرة والمؤسسات الكنسية، وإقامة الندوات الهادفة إلى إبراز محورية الكتاب المقدس في حياة الكنيسة عامةً.

    ولا شك، فالكنيسة المقدسة المؤسسة على صخرة الإيمان "المسلَّم مرةً للقديسين"، تعطي أهمية كبرى للكتاب المقدس، إذ يؤلّف، مع تعاليم الآباء والملافنة القديسين، أساس الإيمان وجوهر العقائد التي يشكّل الثالوث الأقدس لحمتها وسداها.

    إنّ الكتاب المقدس هو كتاب الإيمان المسيحي ومصدره، إذ فيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية. وفي هذا الصدد تقول القديسة تريزيا الطفل يسوع: "الكتاب المقدس يحدّثني فوق كل شيء في تأمّلاتي، فيه أجد كل ما تحتاج إليه نفسي البائسة. إني أكتشف فيه دائماً أضواءً جديدة ومعانٍ خفية وعجيبة".

    كما أنّ الكتاب المقدس هو كتاب بلادنا، فمعظم الكتاب المقدس كُتب بحسب عقلية بلادنا المقدسة وبيئتها. إنه يعود بنا في معظم صفحاته إلى شرقنا جغرافياً وتاريخياً، ومن أراد أن يفهم الكتاب المقدس عليه أن يقرأه في ضوء بلادنا وجغرافيتها وبيئتها وحضارتها. فمسؤوليتنا هي أن نكون في طليعة من يتعلّم الكتاب المقدس ويعلّمه، إذ هو قادرٌ أن يجعلنا حكماء ومبشّرين بالإنجيل، "فنبلغ الخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2طيموتاوس 3/16).

    وبما أنه يجب قراءة الكتاب المقدس وتفسيره بالروح القدس، لا بدّ من مراعاة التقليد الحيّ للكنيسة جمعاء، لأنها المستودع الحقيقي الأوحد للتعليم الرسولي. فهذا التعليم حُفظ بطريقة حيّة في الكنيسة، لأنّ الروح القدس أعطي لها وهو يوجّهها ويرشدها. إنها "عمود الحق وركنه" (1 طيموتاوس 3/ 15)، وقد أنارها روح الحق لتحفظ كلمة الله والتقليد المقدس بأمانة وتعرضها وتنشرها.

    وعندنا نحن السريان، الكتاب المقدس هو المحور والدائرة المركزية، منه استشفّ الآباء والملافنة تعاليمهم، فنهلوا من مَعينه، وغاصوا في محيطه الواسع، تأمّلاً وشرحاً وتفسيراً.

    في القرن الأول، ترجم العلماء السريان "الترجمة البسيطةللكتاب المقدس" ܦܫܝܛܬܐ. وفي القرن السادس، قام فيلوكسينوس المنبجي (523) بترجمة الكتاب المقدس بما عُرف بالترجمة الفيلوكسينية. وفي القرن السابع، ترجم العلامة توما الحرقلي (616) الكتاب المقدس، بما سُمّي بالترجمة الحرقلية.

    هذا بالإضافة إلى اهتمام مدرسة أنطاكية اللاهوتية بترجمة الكتاب المقدس، وتفسيره بواقعية روحية، بعكس مدرسة الإسكندرية التي كانت تعتمد التفسير الرمزي.

    وانتشرت المدارس السريانية في قنشرين والرها ونصيبين والعراق وطورعبدين وسواها، وكلها تعلّم الكتاب المقدس وتفسّره.

    ولنا خير مثال على الرابط الوثيق بين الكتاب المقدس والكنيسة السريانية، القديس أفرام السرياني، الشماس وملفان الكنيسة الجامعة. فقد شغف بالكتاب المقدس في كتاباته وميامره ومداريشه، لدرجة أنه قيل "لو فُقدت نُسَخ الكتاب المقدس برمّتها، لأمكن جمع نصوصه من كتابات القديس أفرام السرياني".

    كما تناول مار يعقوب السروجي (521) في كتاباته وأشعاره مواضيع الكتاب المقدس كافةً، مستفيضاً بالتفسير بلغة سريانية سلسة. وعلى هذا المنوال، نهج ابن الصليبي (1171)، ففسّر كل أسفار الكتاب المقدس. أما ابن العبري (1286) فكتب كتابه ܐܰܘܨܰܪ ܐܪ̈ܳܙܐ"مخزن الأسرار" الذي جمع في طياته كل تفاسير الذين سبقوه في كتاب واحد بلغة عالية.      

    هكذا، أيها الأحباء، كانت الكنيسة السريانية، كسائر أخواتها الكنائس الشقيقة، أمينةً للكتاب المقدس بتعاليمه ولاهوته. ونشكر الله بأننا لا نزال نلهج بالكتاب المقدس ليلاً نهاراً في صلواتنا صباحاً وظهراً ومساءً. وتحتلّ "ليتورجية الكلمة" القسم الأول من ذبيحة القداس الإلهية، فنتغذّى من كلام الله، وهو "روح وحياة"، قبل أن نتغذّى من جسد الرب ودمه الأقدسين.

    وهنا تبرز أهمية البحث المتعمّق في تراثنا السرياني المشترك، والتبحّر في غزارة ما يفيض به، لاكتشاف كنوزه الروحيةوالليتورجية والثقافية، وهو غنى للكنائس الشرقية والكنيسة الجامعة.

    واليوم، نرى الكنائس تتنافس في إقامة اللقاءات والندوات الروحية والعلمية واللاهوتية حول الكتاب المقدس، وما أجمل أن يتنافس الإخوة للخير! ولكنيستنا، بأبرشياتنا ورعايانا وأديرتنا في لبنان وبلاد الشرق وعالم الانتشار، باعٌ طويل في هذا المجال. ولعلّ هذا المؤتمر الذي نفتتحه اليوم هو، فضلاً عن كونه باكورة مؤتمرات دير الشرفة، مساهمة منّا فندلُوَ بدلوِنا واضعين السراج على المنارة ليضيء للجميع، حتى يتمجّد الثالوث الأقدس.

    نشكركم جميعاً لحضوركم ومشاركتكم، منوّهين بجهود وأتعاب رئيس وشمامسة إكليريكية دير الشرفة وجميع المحاضرين. ونتمنى أن تنال فعاليات المؤتمر استحسانكم، فتكون للمنفعة الروحية واللاهوتية والعلمية. ولتشملنا جميعاً بركة الثالوث الأقدس، له المجد إلى الأبد، آمين.

 

 

 

 

 

إضغط للطباعة